نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية وتفسيراتها

٢٤ مشاهدة
لا مفاجآت في الانتخابات الرئاسية التونسية التي أجريت يوم 6 أكتوبر تشرين الأول الجاري فجاءت النتائج متطابقة مع المقدمات لصالح الرئيس قيس سعيد الذي كان يسابق نفسه شارك في التصويت 2 808 548 ناخبا بنسبة 28 8 من الجسم الانتخابي التونسي المقدر بـ 9 753 217 ناخبا بينما عزف عن المشاركة في هذه المحطة الانتخابية 71 2 من التونسيين المعنيين بالعملية الانتخابية فاز الرئيس سعيد بـ 2 808 548 صوتا وبنسبة 90 69 بينما جاءت نتائج منافسيه مثلما كان متوقعا مخيبة للآمال بـ 197 551 صوتا بما نسبته 7 35 للمترشح العياشي زمال الأمين العام لحزب عازمون و52 903 أصوات لزهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب بما قدره 1 97 الانتخابات البيعةيمكن تصنيف التصويت الذي جرى بتونس في خانة الانتخابات البيعة وهذا نوع من الانتخابات عرفته تونس قبل عام 2011 وهو منتشر في جل الدول العربية التي تحمل في دساتيرها صفة الجمهورية وقد تخلصت منه دول كثيرة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا ترسم فيه الدولة ومؤسساتها للشعب طريق الخلاص الانتخابي وتحدد له رئيسه قبل الانتخاب وما عليه إلا أن يتوافد على مكاتب الاقتراع في اليوم الموعود ليحول الاختيار واقعا ملموسا والصناديق وما تبوح به لا تعرف الكذب والنفاق وفق التبرير السياسي لمرشح الدولة ويجدد هذا السلوك السياسي مشروعية طرح السؤال السوسيولوجي التقليدي من يحدد للآخر أدواره ووظائفه الدولة أم المجتمع الإجابة عن هذا السؤال بديهية ففي المجتمعات الديمقراطية الملتزمة قيم العيش المشترك والاعتراف بالآخر والتداول السلمي على السلطة المجتمع هو الأصل ودور الدولة إدارة شؤونه وتنظيمه وإتاحة التنافس النزيه بين مختلف تياراته وأحزابه وقواه الفاعلة وليس التغول عليه وتحديد مصيره في حين أن المجتمعات المتخلفة ديمقراطيا لا تزال تعاني هيمنة أجهزة الدولة على المجتمع وعلى تياراته الكبرى وقواه الحية التي تفرزها ديناميكيته الداخلية وترسم له مسارات حياته برمتها وعدم الاقتصار على تحديد حاكمه النسبة التي حازها سعيد نتيجة مجموعة من مقدمات سياسية وسياسات انتخابية كادت أن تجعل من سعيد مترشحا وحيدا تحررت تونس من الدولة المهيمنة بعد سنة 2011 واستبدلتها بمجتمع الدولة ودولة المشاركة وفي عشر سنوات استطاع التونسيون أن يكونوا محددين في خيارات دولتهم عبر الأجسام الوسيطة السياسية والمدنية والاتصالية وما راكمته من تجارب تاريخية ومن خلال من يقع انتخابه بقطع النظر عن لونه السياسي واتجاهه الأيديولوجي ما يجعل الفائز في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التونسية لا يتجاوز 40 حتى إن كان يشغل منصب رئيس حكومة كيوسف الشاهد الذي لم يحصل إلا على 7 38 سنة 2019 أو نائب رئيس البرلمان ثم صار رئيسا له بصفة وقتية عبد الفتاح مورو الذي حصل على 12 88 من الأصوات وهذا الأمر تؤكده التجارب والأرقام الموثقة والمنشورة ففي 2014 فاز الباجي قائد السبسي في الدور الأول بـ39 46 وتلاه المنصف المرزوقي بـ33 43 وفي انتخابات 2019 فاز قيس سعيد في الدور الأول بـ18 40 وتلاه نبيل القروي بـ15 58 في حين أنه في الانتخابات التي حددت فيها أجهزة الدولة نيات التصويت ورسمت الطريق الانتخابي وفق رغبات ساكن قصر قرطاج فاز الرئيس الحبيب بورقيبة في أربع محطات انتخابية بنسبة 100 الأعوام 1959 و1964 و1969 و1974 فيما كانت نسب فوز خلفه الرئيس زين العابدين بن علي 100 عام 1989 و94 90 عام 1994 و99 45 عام 1999 و94 49 عام 2004 و89 45 عام 2009 وها هو الرئيس سعيد يحصل على نسبة أصوات تشبه ما كان سائدا في 55 سنة 1956 2011 وفي رسالة توجه بها 52 برلمانيا أوروبيا إلى رئيسة المفوضية الأوروبية اعتبروا أن الانتخابات الرئاسية التونسية حفلة تنكرية نظمها الرئيس قيس سعيد حاثين المسؤولة الأوروبية على مطالبة تونس رسميا باحترام العملية الانتخابية الديمقراطية وسيادة القانون وقد لا يكون لمثل هذه المواقف أي تأثير في الناخب التونسي الذي يرفض راديكاليا التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي والوطني في تونس إلا أن ترويج صورة تونس برئاسة سعيد دولة مستبدة وأن انتخاباتها الرئاسية عملية صورية لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بمبدأ التداول السلمي على السلطة يسبب الضرر لمصالح تونس الخارجية وعلاقاتها الدولية ويعمق من أزمتها المالية والاقتصادية وهي التي تعالج تلك الأزمة بمزيد من الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية والدول الأجنبية على غرار عدم السماح لمنظمات المجتمع المدني أنا يقظ ومراقبون بمراقبة الانتخابات الرئاسية كما كانت تفعل في المحطات الانتخابية كافة بعد 2011 بتعلة الفساد وتلقي أموال أجنبية مشبوهة ولاستفراد الرئيس بالفضاء العام السياسي حتى أصبح الفاعل السياسي الرئيس والوحيد في هذا الفضاء ثلاث سنوات بكاملها مدعوما بسلسلة من التضييقات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من طريق المرسوم 54 وما ترتب عن تطبيقه من إلغاء البرامج السياسية والحوارية من أغلب التلفزيونات التونسية وما تبقى منها دخل بيت الطاعة وبات ناطقا باسم سلطة 25 يوليو 2021 دون سواها وهذا ما جعل من جمهور الناخبين ينزع إلى التماهي الكامل والذوبان في تيار انتخابي واسع غلب على سلوكه المحاكاة والتأثر بما يرفع من شعارات من دون درس أو تمحيص أو مقارنة وهو أمر مثير للجدل والتقييم وفي حاجة إلى التفسير وقد تصدر عناوين نشرات الأخبار في الصحف الكبرى ووكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيونات الدولية فالنسبة المعلنة تنتمي إلى فترة النصف الأول من القرن العشرين وكثيرا ما اقترنت بالدولة العربية ما بعد الحرب العالمية الثانية فإذا بها تنبت من جديد في أرض كانت سباقة إلى الاختلاف والتعدد وظهور الصحافة الرائد في 1860 والحاضرة في 1888 والأحزاب السياسية الحزبان الدستوري والشيوعي سنة 1920 والحركات الطلابية الحركة الطلابية الزيتونية سنة 1910 والعمالية جامعة عموم العملة التونسيين بقيادة محمد علي الحامي سنة 1924 والمدنية حركة الشباب التونسي 1907 والحقوقية الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في 1977 تغيير القانون الانتخابيوبقطع النظر عن صحة تلك النسبة من عدمها ومدى تمثيلها مقارنة بكثافة العزوف البالغة أكثر من 70 من الجسم الانتخابي التونسي فهي نتيجة مجموعة من المقدمات السياسية والسياسات الانتخابية التي كادت أن تجعل من سعيد مترشحا وحيدا بعد أن أنقذت الهيئة الانتخابية التونسية موقف الرئيس المحرج وأعطت الأحقية في الترشح لمترشحين اثنين هما العياشي زمال وزهير المغزاوي أريد لهما لعب دور الديكور الانتخابي من بين 17 مترشحا تقدموا إلى الهيئة الانتخابية بملفات الترشح لقد بدأ إقصاء الأغلبية الساحقة ممن عبروا عن نية ترشحهم أو انخرطوا عمليا في مسار الترشح بإثارة تتبعات قضائية ضدهم في الوقت الذي لم يقف كثير منهم أمام المحاكم سابقا ما يدل بوضوح على استعمال القضاء في تصفية حسابات سياسية صرفة كان أكبر ضحاياها المترشح العياشي زمال الذي صدرت في حقه أحكام بالسجن تقارب 14 سنة على خلفية تهم تتعلق بتزوير التزكيات ولم يفلت من هذه الإجراءات سوى مترشحين هما الرئيس الحالي قيس سعيد ومنافسه زهير المغزاوي ثم جاء تبديل القانون الانتخابي في قلب العملية الانتخابية وقبل ستة أيام من الاقتراع وذلك بتقديم مقترح التبديل يوم 20 سبتمبر أيلول الماضي من مجموعة نواب عددهم 34 بتعلة وجود خطر داهم يهدد الدولة وجب التصدي له وفق ما جاء في شرح الأسباب جرت مناقشته والتصديق عليه من الجلسة العامة لمجلس النواب وأمضاه الرئيس سعيد بسرعة جنونية ونشر يوم 28 الشهر الماضي سبتمبر أيلول في الرائد الرسمي للبلاد التونسية تحت مسمى قانون أساسي عدد 45 لسنة 2024 يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساس عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو أيار 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامها جوهره تغيير مراقبة الانتخابات والطعون والتقاضي الانتخابي من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات إلى محكمتي الاستئناف والتعقيب ذلك أن القضاء العدلي حسب رأي الوظيفة التشريعة ونظيرتها التنفيذية مجسدة في رئيس الجمهورية الذي ختم القانون والختم جزء من التشريع وفق ما كان يدرسه سعيد لطلابه مضمون أكثر من القضاء الإداري والمالي وقد قبل بعض قضاته في حالات مقارنة وفي قضايا ذات طابع سياسي تنفيذ التعليمات أما الخطر الداهم بالنسبة إلى أصحاب المبادرة والسلطة السياسية التي أوعزت إلى مجموعة من النواب بتقديم النص التشريعي فهي الجلسة العامة للمحكمة الإدارية المكونة من 27 قاضيا التي قبلت طعون ثلاثة مترشحين هم عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي والمنذر الزنايدي وأصدرت في حقهم أحكاما باتة لا تقبل الطعن والتعقيب تقضي بإرجاعهم إلى السباق الانتخابي الأمر الذي امتنعت عن تنفيذه الهيئة الانتخابية في خرق واضح للقانون ودوسه وما قد تتخذه تلك الجلسة من قرارات طعن في حال فوز سعيد بناء على إقصاء بعض منافسيه ممن يحق لهم الترشح لم يتمكن زمال من القيام بحملته الانتخابية ولم يخاطب الجمهور مباشرة بسبب ترشحه الذي استحال مأساة وكان سبب سجنه واقتصر نشاط طاقمه الانتخابي المحدود على تنظيم عدد من الندوات الصحافية شرح فيها ميثاقه وبرنامجه بعنوان نقلب الصفحة وخاض المغزاوي حملته تحت شعار تونس أخرى ممكنة ببرنامج انتخابي من 54 صفحة يتضمن المحاور السياسية والدستورية والاقتصادية ومحور السياسات القطاعية شرحه في مجموعة من الندوات الصحافية والفيديوهات التي نشرت بصفحته في فيسبوك ومن خلال زيارات ميدانية شملت المدن الكبرى في أغلب الولايات التونسية أما الرئيس سعيد فكان شعار حملته الشعب يريد البناء والتشييد من دون تقديم برنامج انتخابي أو وعود انتخابية واستعاض عن ذلك بنشر بيان انتخابي حماسي يحمل عنوان بيان إلى الشعب التونسي جاء مشحونا بالشعارات والمقولات التعبوية عن الثورة التونسية وانتشار الفساد وتهريب الأموال والإرهاب والاغتيالات ودواعي إجراءات 25 يوليو 2021 والقضية الفلسطينية من دون نسيان وصم المعارضين ووصفهم بـالأبواق المسعورة وبأنهم يذرفون الدموع الكاذبة على الديمقراطية لم يمارس الرئيس سعيد أي نشاط انتخابي ولم يلتق مواطنيه ولم يزر المدن والقرى التونسية إلا زيارة ليلية لمدينة القيروان وأخرى لمقر حملته يوم الاختتام وفي مقابل ذلك عين شقيقه نوفل سعيد مديرا لحملته بعضوية شقيقة زوجته ما أعاد النقاش العام في تونس حول دور العائلة في الحياة السياسية والحكم والتذكير بالدور الذي كانت تلعبه عائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأصهاره الطرابلسية ما مهد الطريق لإطاحته يوم 14 يناير 2011 حملة سعيد التي قادها شقيقه وتولاها متطوعون كما جرى تسويقه للرأي العام لم تنشر مضامين ولم تناقش أفكارا ولم تعقد اجتماعات خطابية وإنما هي مجرد مجموعات تجوب الشوارع والأسواق مسلحة بالطبلة والمزمار يتغنى أصحابها بشعار الشعب يريد سعيد من جديد تمكن سعيد من الفوز بواسطة خريطة الطريق الانتخابية الصارمة التي وضعها وبعد استدراج معارضيه للمشاركة استدراج المعارضات التقليدية للتصويتتمكن سعيد بواسطة خريطة الطريق الانتخابية الصارمة والدقيقة التي وضعها من الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد استدراج معارضيه وهم الذين لم يعترفوا بشرعيته سابقا ووصفوه بالمنقلب بعد 25 يوليو وقاطعوا الاستفتاء على الدستور ومختلف المحطات الانتخابية للمشاركة في الانتخابات الرئاسية اعتقد طيف واسع من المعارضات الليبرالية والدستورية واليسارية والحقوقية والتقوا في ذلك مع جمهرة من التيار الإسلامي من حركة النهضة ومن خارجها أن بالإمكان فوز العياشي زمال في الانتخابات الرئاسية في ما يشبه التجربة السنغالية ومن ثم تحقيق هدف تلك المعارضات الرئيس في إطاحة سعيد وإطلاق مساجين السياسة والإعلام والرأي والتدوين وتغيير الدستور وتنظيم انتخابات نيابية جديدة بعد حل البرلمان الحالي ما جعله يحصل على ما يناهز 200 ألف صوت والحال أن حزبه تنظيم صغير جدا حديث النشأة لا يكاد يحتسب في خريطة الأحزاب التونسية ليس له انتشار يذكر أو وجود بمختلف الولايات والمعتمديات التونسية ولا يتمتع بقاعدة شعبية ولم يتحول اسما متداولا إلا بعد سجن أمينه العام على خلفية ترشحه للانتخابات الرئاسية وعلى العكس من ذلك كانت خسارة حركة الشعب وأمينها العام زهير المغزاوي فادحة وضارة بالتيارين القومي والعروبي باعتبارها أكبر حزب قومي عروبي في تونس كانت خسارتها في مستوى انحدار قاعدتها الانتخابية من 129 604 ناخبين في الانتخابات التشريعية في 2019 وفوزها بـ15 مقعدا برلمانيا إلى 52 903 أصوات فقط لصالح مرشحها الرئاسي أي بنقصان قدره 76 701 صوت لم تكن مجرد خسارة سياسية لتلك الحركة الفتية التي عرفت تناميا ملحوظا في عدد أنصارها وتوسعا في جغرافيتها السياسية ودورها في الحياة العامة بل كانت هزيمة مدوية ستؤثر في فاعلية قياداتها وستهز صورة أمينها العام وبعض الكاريزما التي كان يتمتع بها لقد استطاع الرئيس سعيد والدولة العميقة التي تقف من ورائه أن يضفيا شرعية على نتائج الانتخابات الرئاسية التي مكنته من ولاية رئاسية ثانية بواسطة استدراج أغلب المعارضات التقليدية بمختلف أطيافها الأيديولوجية والسياسية للمشاركة فيها وأن يحولا ترشح كل من زمال والمغزاوي زينة انتخابية وديكورا انتخابيا سواء أقرا قيامهما بذلك الدور أو لم يعترفا به مع تسديد ضربة قاصمة لحزب حركة الشعب باعتباره من آخر الأحزاب المحافظة على وجود تنظيمي وأنشطة ومشاركات سياسية تدعمها تمثيلية برلمانية بـ11 نائبا في ظل سياسة رسمية تقوم على تهميش الأحزاب السياسية إلى درجة المنع من النشاط السياسي على أمل اندثار الظاهرة الحزبية وإزالتها من الحياة العامة وفق ما كان قد صرح به قيس سعيد قبل انتخابه سنة 2019 ما يستوجب على الحزب العروبي القيام بمراجعات جدية وقراءات نقدية واستبدال قياداته التاريخية بأخرى شبابية لا تلاحقها كبوات سياسية وخيبات انتخابية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح