ميزان الخصومة سعيد ثابت سعيد
50 مشاهدة
تسود أحيانا نظرة أحادية تسطح الصراع فتختزل العدو في كتلة من الشر وتمحو الفروق داخل صف الخصوم وتنكر ما قد يصدر عن بعضهم من إنصاف أو وفاء أو كف لشيء من الظلم بيد أن الميزان الإسلامي يرفض هذا المنطق فهو يأمر بالعدل ويسجل الإحسان حيث وجد ويزن الناس بقدر أعمالهم التزاما بقوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ومن هنا يلزمنا الشرع والعقل بأدب الخصومة وأن نميز داخل صف الخصوم فلا نساوي بين من يباشر الأذى ويقوده ومن يحد منه أو يرفض بعض صوره وبذلك نرفض التعميم دون تمييع للجرائم ونثمن الإنصاف بقدره بلا إسقاط لمسؤولية صاحبه ولا تغيير لوصف انتمائه وللتدليل تسوق السيرة مثالا واضح الدلالة في قصة أبي البختري بن هشام القرشي الأسدي الذي أسهم في نقض صحيفة المقاطعة الظالمة أبان حصار المسلمين في مكة فسماه النبي صلى الله عليه وسلم قبل معركة بدر ونهى عن قتله إن ظفر به المسلمون وعند انسحاب المقاتلين المشركين إلى الأطراف لقيه المجذر بن زياد البلوي على بعير يردف خلفه رفيقه الكناني جنادة بن مليحة فبلغه المجذر وصية النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الأسر صونا لدمه فسأل أبو البختري عن رفيقه فقيل له إن الأمان له وحده عندها قدم الرجل الوفاء لزميله على الخلاص الفردي والنجاة بالنفس ورجز قائلا لن يسلم ابن حرة زميله حتى يموت أو يرى سبيله فبارز حتى قتل ثم عاد المجذر يشرح للنبي الكريم أنه جهد ليحمله على الأسر فأبى ولا تذكر الروايات عتابا ما يدل على أن الاستثناء كان مشروطا بترك القتال أو قبول الأسر وأن قرار المنازلة أعاده إلى حكم المقاتلين يرسخ هذا الميزان قواعد عملية واضحة إذ يقر بالفضل حين يظهر ولو صدر من خصم ويميز داخل المعسكر المقابل بين متطرف ومنصف ومتردد وينزل الأحكام على الأفعال لا على اللافتات أو الشعارات من هذه القواعد نحاسب المسيء بلا تردد ونثبت للمنصف ما ضيق به مساحة الظلم صونا للعدل وحماية للإنصاف وتثمينا للمواقف النبيلة وتأكيدا للفروق الفردية داخل المعسكر الواحد
ارسال الخبر الى: