منذ توقيع معاهدة وستفاليا في عام 1648 التي أنهت حرب الثلاثين عاما في أوروبا حكمت العلاقات الدولية بالمنظومة الوستفالية بعدما وضعت أسس عصر جديد في العلاقات الدولية مبني على مبدأ سيادة الدول التي غدت الفاعل الرئيس في العلاقات الدولية وصبغت من ثم النظام الدولي بقيمها التي يتقدمها هدف الحفاظ على بقائها وتحقيق مصالحها وفي مقدم هذه المصالح الحفاظ على أمنها القومي الذي يختزل في معظم الأحيان في الجانب العسكري وأمن الحدود ولكن هذه المنظومة تعرضت لمراجعة جذرية مع مطلع تسعينيات القرن الماضي ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع الأيديولوجيا الشيوعية في مقابل انتشار واسع للديمقراطية الليبرالية وبروز ظاهرة العولمة إذ ساد تفاؤل كبير ولا سيما في الغرب بأن عهدا جديدا من الاستقرار والسلام قد حل تكفله عقلانية الدول الكبرى والاعتماد المتبادل وتشابك العلاقات في ما بينها غير أن هذا التفاؤل سرعان ما أخذ يتبدد بعدما تكشف للعالم أن التغيرات التي حدثت لا تعدو كونها طاولت القشرة السطحية للعلاقات الدولية وفي العمق ما زالت هذه العلاقات محكومة بجدلية القوة في ظل استمرار الدول ولا سيما الكبرى منها بزيادة قوتها العسكرية ودخولها سباق تسلح محموم الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة شكلت اختبارا حقيقيا للمنظومة القيمية الغربية في العلاقات الدولية التي ظلت المجتمعات الغربية تبشر بها ما يدعو إلى استحضار هذه المقدمة هو الحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة التي شكلت اختبارا حقيقيا للمنظومة القيمية الغربية في العلاقات الدولية في وقتنا الراهن والتي ظلت المجتمعات الغربية منذ عصري النهضة والتنوير تبشر بها وعلى رأسها الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام والأمن الدوليان والتعاون الدولي وغيرها فما يشهده قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر من حرب همجية مدمرة طاولت البشر والحجر وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وغيرها عرى مفهوم القيم والمبادئ والأخلاق الغربية التي لم يعد الحديث عنها إلا ديباجة كلامية ليس لها وزن ولا قيمة لتكون مجرد عبارات لا تستخدم إلا لأغراض آنية عندما تحتاجها الدول الغربية خدمة لمصالحها وأجندتها الشخصية وهيمنتها على الدول الأخرى كما أن الغطاء العسكري والسياسي الذي ارتكز بشكل واضح على مرتكزات قيمية حاول الغرب التسويق لها من خلال محاولة تبرير الهمجية الإسرائيلية في مواجهة من يدعي أنهم مجموعة من الإرهابيين الذين لا تنطبق عليهم المواصفات التي تؤهلهم للاحتماء في ظل منظومة القيم العالمية المتمثلة بالعدالة وحقوق الإنسان وصولا إلى الحق في العيش بسلام وكرامة هذا الغطاء أدى إلى بروز إشكالية تتعلق بكيفية تخطي الفشل الذي يعتري آليات تطبيق هذه القيم وهذه إشكالية كبرى ليس من السهل الوصول إلى إجابات لها وخصوصا في ظل عالمنا المعولم اليوم الذي على الرغم من بروز الاهتمام المتزايد فيه بحقوق الإنسان ركيزة أخلاقية في العلاقات الدولية وتبني فكر السلوك المعياري الذي تسعى أبعاد التنمية المستدامة لتجسيده تبقى فيه العلاقات الدولية غير قادرة على شرح وتفسير سلسلة من الحقائق التي يمليها تطور النظام الدولي بنائيا وتفاعليا وخصوصا في ظل الصراعات والحروب والأزمات التي تتسم بالتعقيد والتي يصبح فيها تحليل موضوع أخلقة العلاقات الدولية أكثر تعقيدا في تصور أبرز مقاربات العلاقات الدولية غير أن ذلك لا يمنع من القول إن من يقرأ التاريخ يدرك أنه كلما تصاعدت حدة الأزمات تقلص الالتزام بالمعايير الإنسانية المشتركة بين الشعوب على اختلاف مرجعياتها الثقافية والدينية كما أن البشرية كلما زاد تقدمها العلمي ورخاؤها المادي تراجع التزامها بمبادئ العيش المشترك وازداد من ثم مستوى الأنانية لدى أفرادها ونخبها لذلك يبدو أنه من المبكر التفاؤل بعالم تغيب فيه الرؤية الهوبزية توماس هوبز التي ترى أن الدول مثل الإنسان شريرة وأنانية وتغلب مصلحتها في علاقاتها مع غيرها من الدول لاسيما أن هذه الدول لا تزال تعيش في عالم فوضوي تغيب عنه السلطة المركزية في مقابل تقدم الرؤية الكانطية إمانويل كانط المتفائلة ببناء عالم يشكل مجتمعا أو نظاما عالميا تسوده القيم المشتركة المقبولة من وحدات النظام كافة بحيث يصبح العالم بكامله موطنا للإنسانية فغياب السلطة المركزية لا يعني أبدا الصراع ولا العيش في شريعة الغاب فاليوم تبرز الحرب الهمجية على قطاع غزة مدى الحاجة الماسة إلى تعزيز حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني والعمل بجدية نحو حل سلمي ودائم غير أن ما يحصل يعكس حالة السقوط الأخلاقي التي يعيشها العالم والنفوق القيمي الذي غابت خلاله كل المشتركات الإنسانية وبيعت المبادئ والأخلاق في مساومات علنية وبتواطؤ غير مسبوق من بعض الأنظمة العربية بلغ درجة الشراكة في الجريمة