4 ملاحظات على فوز اليمين الفرنسي في انتخابات البرلمان الأوروبي

٣١ مشاهدة
جولة انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت أمس الأحد هي الأكثر أهمية من بين بقية الدورات السابقة نظرا إلى حدة الاستقطاب السياسي الذي يعود السبب فيه إلى تنامي حضور تيارات اليمين المتطرف على مستوى القارة وهذا ما عكسته النتائج في عدة بلدان خصوصا فرنسا التي شهدت حملة انتخابية طويلة تصدرتها مسألة الهجرة أكثر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والبطالة والأزمات الاجتماعية كما دخلت على الخط بقوة حرب إسرائيل على قطاع غزة لم تختلف نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا كثيرا عن تلك التي تنبأت بها استطلاعات الرأي منذ أكثر من شهر والتي أعطت حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الأفضلية على غيره من بقية الأحزاب بنسبة تتجاوز 32 متقدما بكثير من النقاط عن حزب النهضة الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حل في المرتبة الثانية بنسبة 15 ووفق النتائج فإن اليمين المتطرف بأحزابه المختلفة بالإضافة إلى اليمين التقليدي حصد نسبة تتجاوز 45 من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي بينما لم تحز الأحزاب التي تقف في الجهة المقابلة نسبة 30 وهي الاشتراكي 15 وفرنسا الأبية 9 والخضر 5 ينذر خطاب اليمين المتطرف بتوجه سياسي جديد تعبر النتائج عن تطور مهم في الحياة السياسية في فرنسا يتمثل بنهاية الشكل الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية على أساس التنافس بين قوى تقليدية يمثلها اليسار الاشتراكي والشيوعي من جهة ومن الجهة المقابلة اليمين التقليدي ويمين الوسط وبروز اليمين المتطرف بوصفه قوة رئيسية حصدت النسبة الأكبر من أصوات الناخبين هناك إجماع على أن دور البرلمان الأوروبي محدود جدا في ما يتعلق بالقضايا الداخلية في كل بلد ولا يمتلك سلطة فعلية كتلك التي تتمتع بها البرلمانات المحلية ولذا فإن الفوز الذي حققه اليمين المتطرف يبقى من دون تأثير مباشر على السياسات المحلية وحتى العامة التي تخص الاتحاد الأوروبي وهي التي تحتكرها المفوضية الأوروبية التي تشكل حكومة أوروبية لها كل الصلاحيات ولكن ضمن حدود لا تتعارض مع شؤون السيادة الخاصة بكل بلد ترجمة فوز اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي يطمح اليمين المتطرف إلى ترجمة فوزه في انتخابات البرلمان الأوروبي على مستوى القارة في الإطار المحلي ولذا دعا جوردان بارديلا رئيس لائحة حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه مارين لوبان إلى حل البرلمان الفرنسي وطالب بانتخابات تشريعية مبكرة وما كان له أن يتجرأ على ذلك لو لم يعتبر أن نسبة التصويت التي حصل عليها حزبه هي مقياس حضوره الفعلي لدى الجمهور الفرنسي وكون نسبة التصويت جاءت مختلفة عن الدورات السابقة ولأن حزبه حل في الطليعة من حيث عدد الأصوات فقد عد البرلمان المنتخب في العام 2022 خارج التمثيل الشرعي وعليه أن يرحل قبل نهاية المهلة القانونية عام 2027 وهذا ما تجاوب معه ماكرون بأول رد فعل على نتائج الانتخابات الأوروبية وأعلن حل البرلمان وحدد نهاية الشهر الحالي موعدا للانتخابات التشريعية المبكرة يجري النظر إلى خطاب اليمين المتطرف على أنه يعبر عن شراهة للسلطة لكنه في الوقت نفسه ينذر بتوجه سياسي جديد ولذلك لم يتأخر في إعلان أنه سيخطو نصف خطوة للخروج من الاتحاد الأوروبي وسيعمل على تجميد العمل بـاتفاقية شينغن التي تختص بحرية تنقل الأفراد والبضائع داخل الاتحاد الأوروبي كما أنه يعد انتخابات البرلمان الأوروبي بمثابة استفتاء على الهجرة وعلى هذا فإن السبيل إلى ذلك هو الوصول إلى السلطة وجاءت مفاجأة ماكرون لتضعه أمام هذا الاحتمال بقوة ومهما يكن من أمر فإن رد فعل ماكرون بحل البرلمان أربك كل القوى السياسية الفرنسية وبينما اعتبره البعض غير مدروس بما فيه الكفاية وقفزة في الهواء الطلق دافع عنه مقربون منه ويرى السياسي المخضرم فرانسوا بايرو الذي يعد أحد مستشاري ماكرون في تصريح صحافي أن رئيس الدولة يطمح إلى انتخاب برلمان مختلف أكثر قدرة على ممارسة المسؤولية وضرب مثالا على ذلك ما يشهده البرلمان الحالي من مشاحنات داخلية واستقطابات سياسية ويقول إن ماكرون فوجئ بغياب كتلتي حزبي فرنسا الأبية والتجمع الوطني خلال خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان الفرنسي الاسبوع الماضي هدف ماكرون من حل البرلمان ويرجح مراقبون أن الهدف الرئيسي لماكرون من حل البرلمان التعجيل بمواجهة مع اليمين المتطرف قبل العام 2027 الموعد الدستوري للانتخابات المقبلة وبادر بعض وزرائه ومستشاريه بتوجيه دعوات ورسائل من وحي خطابه الذي ركز على أن مسألة صعود القوميين والديماغوجيين يشكل خطرا على أمتنا ومن المؤكد أن ماكرون لا يستطيع كسب الرهان بالاعتماد على حزبه فقط وسيحتاج إلى تحالف واسع يمكنه وقف زحف مد اليمين المتطرف وعليه أن يشكل جبهة من القوى السياسية التي تقف في المعسكر الآخر وهي أحزاب الاشتراكي وفرنسا الأبية والخضر والشيوعيين وحتى حزب الجمهوريين من اليمين التقليدي غير أن طريق هذا التحالف يعترضه عدد من الحواجز أهمها عدم الانسجام بين مكوناته وتنافسها على تركة ماكرون خاصة الحزبين الاشتراكي وفرنسا الأبية الذي يضع كل منهما عينه على كرسي الرئاسة يقوم رهان ماكرون لهزيمة اليمين المتطرف على اختلاف اتجاه التصويت بين المحلي والأوروبي وفي حسابه أن نسبة كبيرة من المصوتين لحزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي لن يصوتوا له في الانتخابات التشريعية ولكن هناك احتمال قوي جدا أن يكسب التجمع الوطني الجولة بوجه ماكرون الذي سيجد نفسه مجبرا على تشكيل حكومة تعايش بين القوى التي تسانده والتجمع الوطني وسيكون بارديلا مرشح حزبه اليميني المتطرف لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا على ما أعلن نائبه سيباستيان شونو في تصريح لإذاعة إر تي أل اليوم الاثنين وفي هذه الحالة ستشهد فرنسا حالة صراع مفتوح داخل مؤسسات الدولة وعلى كل طرف أن يثبت قدرته على تقديم الأفضل من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في العام 2027 فوز اليمين المتطرف بانتخابات فرنسا سيؤدي إلى احتقان داخلي تكون له نتائج سلبية على مستوى الاندماج السؤال الذي يبحث أغلبية المراقبين عن إجابة شافية له يتعلق بالصعود السريع لليمين المتطرف في فرنسا خلال العامين الماضيين ورغم أن المؤشر العام كان يذهب في هذا الاتجاه لكن ما حصل في انتخابات البرلمان الأوروبي يعد أكثر من مفاجأة وبمثابة انفجار سياسي خارج عن الحسابات وما بين الانتخابات التشريعية في فرنسا في إبريل نيسان 2022 ودورة الانتخابات الأوروبية ضاعف من رصيده عدة مرات من الأصوات الانتخابية وتجاوز بذلك الأحزاب التقليدية لليمين واليسار معا ملاحظات على فوز اليمين المتطرف وعلى ضوء الفوز الكاسح لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي هناك عدة ملاحظات مهمة يمكن أن ترسم ملامح المرحلة السياسية المقبلة في فرنسا التي كانت تعد نفسها عصية أمام اليمين المتطرف الأولى هي أن اليمين المتطرف بات في مركز الحياة السياسية والحكم وما حققه في انتخابات البرلمان الأوروبي سينعكس على المستوى المحلي إلى حد كبير ولذلك يراهن على الفوز بالبرلمان الفرنسي وفي أسوأ الأحوال سوف يكون شريكا أساسيا له حصة مهمة في الحكم والقرارات والملاحظة الثانية هي أن فرنسا مرشحة وفقا لهذا التطور المهم لوجه جديد ذي ملامح مختلفة له سياسات لا تشبه تلك التي درجت عليها في العهود الأخيرة وهذا التحول لن يقتصر على الشؤون الداخلية فقط بل ستكون له تداعيات على مستوى السياسة الخارجية في ما يختص بالقضايا العربية والحرب على أوكرانيا والعلاقة مع اوروبا والولايات المتحدة وثمة مسألة محسومة وهي العلاقة الوطيدة مع إسرائيل وهذا يفسر الاهتمام الشديد بالحرب على غزة وتحولها إلى عنوان رئيسي في الحملة الانتخابية وقد كان واضحا دعم إسرائيل السياسي والإعلامي لهذا التيار رغم أن مصادره العقائدية تعود إلى الفكر النازي الملاحظة الثالثة هي أن هذا التحول سوف يؤدي إلى احتقان داخلي تكون له نتائج سلبية على مستوى الاندماج وقد كشفت الحملات الانتخابية لليمين المتطرف عن مستوى متقدم من خطاب عدائي وتحريضي ضد المهاجرين خاصة الجاليات العربية والمسلمة وقد أصبحت هناك منابر إعلامية تلعب هذا الدور ومنها بالخصوص قناة سي نيوز المملوكة لرجل الأعمال فانسان بولوريه ويعد حصولها على المركز الأول بين القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة خلال مايو أيار الماضي مؤشرا على مدى شعبية الخطاب العنصري أما النقطة الرابعة فهي أنه ليس من المستبعد حصول عمليات ترحيل واسعة لمهاجرين من بلدان المغرب العربي وأفريقيا في مرحلة أولى على طريق الاستحقاق الدستوري الأهم في 2027 وبرز في حملة مرشحي اليمين المتطرف إلى انتخابات البرلمان الأوروبي أن القاسم المشترك هو التحريض السافر والعدائية المفرطة للأجانب من أصول غير أوروبية لكن التركيز الأساسي تم على العرب والمسلمين ويعود السبب المباشر وراء ذلك إلى سهولة صياغة خطاب دعائي ضد الإسلام انطلاقا من الصور النمطية المسبقة التي تشكلت نتيجة لما عاشته بلدان العالم الإسلامي في العقود الأخيرة وبروز ظاهرة الإرهاب التي ولدت منها مسألة حرب الحضارات وفي جميع الأحوال هناك مادة غنية من أجل صناعة الخوف يمكن توظيفها انتخابيا تتمثل في ارتفاع نسب البطالة والجريمة والهجرة غير المنظمة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح