مفردات الذاكرة المعطوبة قاموس الخوف السوري
هناك حكاية سورية تمتد جذورها إلى عمق يقارب نصف قرن مِن الرعب والتواري وألم الانتظار، حكاية تمرّدت مفرداتها على صلابة المعاجم وأحرف البلغاء، تمرّدت بعفويتها على خلود الأفعال الساكنة والأسماء المجرورة، لتشق لنفسها درباً بقانون الطبيعة الأزلي، حيث الحياة تتوالد من رحم اليباس، حكاية تضع على كلّ مفرق من مفرداتها شاخصة تسمح بمرور قاموس جديد، قاموس لا يخضع تبويبه لهرمية أحرف الهجاء، قاموس ولدت كلماته مِن دمعة طفل يسأل حضن أمه عن مصير إخوته المغيبين، كلمات أضحت كلّ منها عنواناً لألف نزف، لألف عتاب، ولملايين الصرخات الموزّعة عريها تحت أثواب تتناوب ألوان مفرداتها بين الهمس والصمت، بين السخرية والحسرة، بين الخوف والنجاة. لتغدو بدلالاتها المتشعبة جزءاً من ثقافة السوريين، ومفاتيح مالكة لفهم التحولات السياسية، والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
يقول مراقب من الذاكرة الجمعية، التي رافقت أيام الثورة في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام البائد إن المفردات الجديدة الدالة في مهدها على حماية الممتلكات العامة والخاصة واستبداد الأمن والسهر على تأمين احتياجات المواطن، قد تجاوزت الأصل من مهامها تلك، لتصبح في القاموس الشعبي أداة قمع وترهيب، وجزءاً من اقتصاد الظلّ الشعبي والرسمي على حدّ سواء، ولا أظن أن أي فرد سوري، لم تحتفظ ذاكرته بمئات المشاهد والحكايات التي ما زالت تقض مضجعه، كلما استعاد مفردة من كوابيسها الرهيبة:
- الحواجز: بوابات أمنية ضيقة، وتلال من الرمل السجين بأكياس من الخيش، تحتجز خلفها نقاط التماسّ بين أحياء المدن الكبرى، بين منصفاتها، ومؤسساتها الخدمية، والشوارع الرئيسة المصقولة برائحة الدخان والتغييب القسري المؤجل لحين الطلب، حتى غدت مع عناصرها المسلحة جزءاً من المشهد العام للمدينة، وماركة مسجلة للرعب، وللذلّ، وللاختناقات المرورية، وحجة دامغة لتبرير التأخر عن الموعد الروتيني اليومي للالتحاق بالأسرة، بالوظيفة الحكومية، بقاعة الدرس، بالمواعيد المبرمة مسبقاً بين الدائن والمديون، بين القاضي والمتهم، بين الطبيب والمريض، بين الصديق وصديقه، بين النية ونقيضها، بين الحاضر والمستقبل، بين الإنسان وذاته.
حواجز طرقات السفر الرئيسة بين المدن وأريافها، والمحافظات والعاصمة، بعناصرها الأكثر ولاءً، ودعماً، وخشونة، حواجز امتلكت
ارسال الخبر الى: