مفتش مراجيح القاهرة وما لا نعرفه عن إحسان عبد القدوس
لم يكن المتلقّي العربي يعرف أن صاحب لا أنام وفي بيتنا رجل كان يخوض معارك وطنية سرية كادت تكلّفه حياته. ولم يكن أحد يتخيّل أن الكاتب الهادئ الذي طبعت رواياته وجدان القرّاء، كان في يومٍ ما يخفي فدائياً مطارَداً داخل بيته، ويهرّب الأسلحة في مقر جريدة والدته روز اليوسف من دون علمها، أو أنه جلس مع جمال عبد الناصر في مكتبه يناقشه في خطط التحرك ضد الملك والإنكليز قبل ثورة 1952. هذه التفاصيل التي ظلت مجهولة لعقود تشكّل ركيزة أساسية في رواية سامح الجبّاس مفتّش مراجيح القاهرة (دار العين للنشر والتوزيع، القاهرة، 2025) والتي تقدّم قراءة روائية جديدة في حياة واحد من أهم كتّاب القرن العشرين.
تفتح الرواية أبواباً كانت مغلقة، وتعيد تركيب صورة عبد القدّوس خارج القالب المتوارث عنه. فالرجل الذي عُرف كاتباً اجتماعياً ومؤسِّساً لأيقونات سردية حول الحرية الفردية، يظهر في هذا العمل فاعلاً خفياً داخل لحظات من أخطر لحظات التاريخ السياسي المصري. يكشف الجبّاس، عبر بناء روائي يجمع بين البحث والتخييل، أن عبد القدّوس كان من أجرأ الصحافيين المصريين خلال الاحتلال البريطاني، إذ كتب مقالات مباشرة ضد السفير البريطاني، فاعتُقل لفترة قصيرة على خلفيتها. وفي مشهد آخر أكثر خطورة، شارك مع الفدائيين في إخفاء السلاح داخل جريدة روز اليوسف، متستّراً على نشاط مقاوم كان من شأنه أن يطيح المؤسسة والعائلة بأكملها لو اكتُشف.
غير أن أكثر ما يُثير الدهشة هو ما تكشفه الرواية بشأن الخلفيّة الحقيقيّة لرواية في بيتنا رجل، والفيلم الشهير المأخوذ عنها. فبطلها لم يكن شخصيةً متخيّلةً كما ظنّ كثيرون، بل فدائياً مصرياً حقيقياً يحمل اسم حسين توفيق.
وتذهب الرواية إلى أبعد من ذلك، إذ تكشف أن إحسان عبد القدّوس نفسه هو من أخفاه في منزله طوال فترة مطاردته، معرضاً عائلته للخطر، قبل أن يساهم في تهريبه خارج البلاد. هذه الوقائع، التي يوردها الجبّاس داخل بناء روائي مشحون، تعيد رسم صورة الكاتب في سياق وطني ظل بعيداً عن الضوء.
ومن هذا الباب السرّي يتسلّل
ارسال الخبر الى: