معركة تلو الأخرى أميركا التي تحارب نفسها والعالم
جاء عرض فيلم معركة تلو الأخرى (إخراج بول توماس أندرسون، وبطولة: ليوناردو ديكابريو وتيانا تيلور) في توقيت بالغ الدقة في صناعة السينما العالمية، ليضع صورة أميركا دولةً عسكريةً في المقام الأول أمام مشاهدي السينما، ويمنحهم فرصة كاملة للحكم على تأثير السياسة الأميركية على ذواتهم ودولهم، وهي الآن في طور الشعبوية الباطشة المعادية للآخر، حتى على أراضيها، في صورة مهاجرين يلوذون بها بعد أن خربت سياستها الخارجية أوطانهم.
الفيلم، الذي بدأ التحضير له قبل سنتين، يعكس كثيراً مما عبّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه وسياسته المعادية للمهاجرين، والتي تصدى لها المهاجرون بالمظاهرات وأعمال الشغب، فأعقبها رد فعل غاشم من قوات الحرس الوطني والجيش الذي أصر ترامب على إشراكه في معركته السياسية لرفع شعبيته. وقد شهد عهده أول عرض عسكري أميركي، أراد من خلاله تأكيد هيمنته وفرض الأمر الواقع على غرار ديكتاتوريات العالم الثالث، من دون أن يكون للمواطنين أي حق في إبداء الرأي أو تغيير مسار السياسة.
تبدأ قصة الفيلم في سبعينيات القرن الماضي مع المجموعة الثورية الفرنسي 75، المتأثرة بالحراك الثوري في أوروبا ضد الشمولية، والتي تسعى لاختراق مثيلتها في المجتمع الأميركي عبر عمليات عنف وسرقة وتدمير لمؤسسات الدولة الرأسمالية.
يقود المجموعة ثنائي محب وثائر هما بيفرلي هيلز (تيانا تايلور) وبوب فيرغسون (ليوناردو دي كابريو). تتقاطع مسارات المجموعة في إحدى هجماتها على مجمع لاحتجاز اللاجئين مع الكولونيل في الجيش الأميركي لوكجو (شون بين)، الذي يتتبعهم لاحقاً ويبدأ بالتهديد والضغط للقبض على غالبية أفراد المجموعة النشطة.
لا يقدم المخرج أندرسون في فيلمه ملحمة حربية على غرار أفلام الدعاية الأميركية، بل الوجه المعاكس لها: مهزلة وطنية مسلية للداخل الأميركي، يغلب عليها العبث والعنف، في ترابط فكري وجسدي أكثر تماسكاً من معظم الإنتاجات الأميركية الأخيرة. النقاش الذي يفتحه المخرج حول دور الجيش والدولة العميقة في تشكيل الواقع الأميركي، يمنح العمل بعداً نقدياً حاداً يقرأ اللحظة الراهنة ويعيد تعريف وظيفة الفن أداةَ مساءلةٍ للسلطة.
تظهر حركةُ الفرنسي 75 ثورةً بلا رؤية، مدفوعة
ارسال الخبر الى: