بين معبرين وشهيدين اعتذارية الخروج من السجن الكبير

٣٢ مشاهدة
حين نشاهد فيلم بين معبرين في مرافقته الحثيثة لفتاة تقاتل كي تخرج من غزة للدراسة في أميركا نعثر على فلسطينيين يمكن القول إن الناجي منهم مصاب إصابة مزمنة هذه الفتاة نور الغصين خرجت بالفعل عام 2018 من السجن الكبير وبعد ذلك عرفت عند بدء دراستها في جامعة بورتلاند أن مخرج الفيلم ياسر مرتجى استشهد يوم 6 إبريل نيسان 2018 أثناء تصويره إحدى مسيرات العودة بقيت المواد الخام جاهزة لتكون فيلما لا يوجد ما يمكن تصويره بحضور نور فهي أصبحت خارج البلاد تحتاج المواد فقط إلى آخر اللمسات من مونتاج ومعالجة صوت وموسيقى وما إلى ذلك هذا ما تولاه رشدي السراج مصور الفيلم وشريك مرتجى في تأسيس شركة عين للإنتاج الإعلامي وسيصدر الفيلم عام 2018 وسيكون أحد الأعمال الجيدة والمختلفة في حساسيتها عن كثير من الإنتاجات الوثائقية لم يكن مرتجى موجودا في العرض الأول وإلى الأبد أي قطع في الحياة هو مونتاج وجودي يعيد القصة من جديد فصلت قصة الفيلم عن السابع من أكتوبر 2023 سنوات خمس كان الموت فيها أقل فجورا من الإبادة الصهيونية لمن سمتهم العماليق ومن سمت محيط قطاعهم بـمنطقة القيامة سقط شريط أسود جديد على صورة من ألبوم العائلة الفلسطينية يوم الثاني والعشرين من أكتوبر تشرين الثاني الماضي واستشهد في قصف حي تل الهوا مصور الفيلم رشدي السراج فيلم وثائقي طويل في غزة يمكن أن تعثر عليه كل يوم لو تركت كاميرا الشارع تصور وقائع يوم غزاوي حتى لو لم تعد هناك شوارع وبدت الجغرافيا كأن زلزالا ضربها فلم يبق ولم يذر يواصل الناس بموبايلاتهم إثبات وجودهم والمراهنة على بقائهم في الذاكرة وعلى إمكانية وخز الضمير نتابع فيلم بين معبرين لنرى أيام الطالبة الحالمة الغاضبة الباكية وهي تتوسل معبري بيت حانون إيريز شمالا ورفح جنوبا كي تخرج وفي يدها ورقة القبول في جامعة بورتلاند وكل أوراقها الثبوتية لكننا نرى ما خلف الكاميرا يصبح كل واحد منا مخرجا ويدفع برفق هؤلاء الذين لا يظهرون إلى الكادر الأمامي الذي تتحرك فيه نور ومن بينهم هذان الشابان وفي مصادفة حارقة سيستشهدان مع فارق السنوات الخمس بين 2018 و2023 في عمر واحد 31 سنة وهما سيكونان فاعلين أمام الكاميرا لأنهما موجودان حقيقة في الفيلم الوثائقي طويل المدى أي قطع في الحياة هو مونتاج وجودي يعيد القصة من جديد ويعيد التأكيد بقوة على أنهم لم يكونوا أرقاما والجميع هنا يريد تصوير الجميع تغريدة من بضع كلمات عام 2018 وفيها ياسر مرتجى يدعو الله أن توفق نور في الخروج من غزة وفي لقاء مع المونتير محمود أبو غلوة يقول لمنصة أفلامنا إن ياسر كان يتمنى السفر عن طريق معبر رفح ثم يعود مكسورا في كل مرة ولقد تصادف وجودهما عند المعبر دون أن يخبر أحدهما الآخر بنية السفر ورجع الاثنان خائبين وقال مرتجى إنه سيذهب لتصوير مسيرة العودة وحين يعود سيعمل على الانتهاء من فيلم بين معبرين غير أنه ذهب ولم يعد إذ اخترقته طلقة متفجرة في تلك الجمعة المعروفة باسم جمعة الكوشوك كان حلمه أن يرى غزة من نافذة طائرة هذا الحلم الأقصى على آخر جدار مظلم من حجرة الرأس يجرب ذلك بخيال جامح لمن يعيش في مكان مختنق يعرف أن آخر ما يمكن فعله هو الذل الروتيني على معبر رفح والمصادفة التي قد تسنح والإمكانية المالية التي تذهب للمرتشين وتجار الأرواح وما أمنية المخرج للطالبة القلقة الباكية الغاضبة أن تخرج سوى تعويض عن حلمه المهدور فهي تملك بيدها قبول الجامعة وليس لديها سوى أسبوعين لتأمين المرور عبر الحصول على موافقات إسرائيلية وأردنية إن كان العبور عن طريق إيريز وحين تفشل أول مرة تذهب إلى الجنوب كأنها نازحة نحو معبر رفح وتحشر مع الآلاف في قاعة أبو يوسف النجار في خانيونس بانتظار الحظ والباص الذي ينقل المسموح لهم ونراهم ونرى أكداس البشر من خلال المشاهد المتوالية كائنات وحشية لا تلتقطهم الكاميرا إلا من خلال شبك حاجز وقضبان مسننة مثلما تقول نور عن غزة التي تحبها وتشعر فيها بالأمان يشيع دائما تعبير أهل القطاع عن ذلك وأحيانا بمبالغات شعرية وبدا لي أن مظلومية المكان المحشور بقسوة بين إسرائيل ومصر تجعل الخارج منها يتحدث بلغة اعتذارية هو لا يريد أن يكون إضافة أخرى للتنكيل الذي يتعرض له مكانهم الصغير لا يريد أن يزهو بنجاته والنجاة حمالة أوجه لا تقع بين ثنائية الخارج مولود والداخل مفقود ولا يجوز أن تتحول غزة إلى لعنة بل المكان الذي يمكن فيه الحلم والبناء على حافة الجحيم كان من الممكن الحديث مباشرة عن الفيلم غير أن فضيلة هذا العمل الكبرى أنه يفتح طريقا إلى رؤية البشر من خلال كاميرا أليفة تجعل الناس ينسون وجودها وقد فعل هذا بجدارة شابان غادرا عالمنا وتركا أثرا بيد عزلاء ضد الموت والغطرسة من السهل توافر كم هائل من المواد الوثائقية التي قد لا تضمن العدالة إلا أنها تمنع مستمسكات الجريمة المستمرة من الإفلات أما إدارتها بهدوء فني فتنتج نوعا من الأفلام مثل بين معبرين وقد أفلح القائمون عليه في جعل نور وعائلتها ورفاقها يعيشون أيامهم بتلقائية هذه التي تقاوم الصمت وهي محكومة منذ حصار غزة وفي ما يوصف بالأيام العادية بصوت الزنانة اللئيم المطبق وستجعلهم يحلقون بأجنحة مكلومة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح