يواجه قطاع المطاعم والمقاهي في لبنان تحديات غير مسبوقة نتيجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعدوان الإسرائيلي هذا القطاع الذي طالما كان ركيزة للاقتصاد اللبناني ومجالا يجتذب السياح ويشغل عشرات الآلاف من اللبنانيين يعاني اليوم من انكماش حاد في الحركة التجارية وارتفاع في التكاليف التشغيلية وسط حالة من النزوح الكثيف من المناطق المتضررة تتأرجح بعض المؤسسات في مواجهة التحديات التي تتفاقم مع غياب الاستقرار الأمني والسياسي بينما تسعى أخرى للتكيف مع الوضع بتقديم خدمات مجتمعية أو استثمار محدود في المناطق الأكثر أمانا ويعكس الوضع الحالي واقعا مؤلما يعايشه أصحاب المطاعم والمقاهي الذين يحاولون بصعوبة بالغة المحافظة على أعمالهم فيما تتزايد المخاوف حول مستقبل هذا القطاع الحيوي في ظل الأزمة الراهنة موت سريري سريع لمطاعم لبنان صرح نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والمقاهي خالد نزها في حديث خاص لـالعربي الجديد بأن لبنان يمر بمرحلة شديدة الصعوبة واصفا الوضع الحالي بأنه موت سريري سريع لقطاع المطاعم والمقاهي وأشار نزها إلى أن هذا القطاع شهد تحسنا طفيفا في نشاطه خلال عامي 2022 و2023 حيث عاد إلى لبنان أكثر من 20 ألف لبناني من الدول العربية بالإضافة إلى آخرين ممن غادروا بعد عام 2020 نتيجة الأزمات المتلاحقة التي شهدها لبنان بدءا من الثورة 2019 مرورا بجائحة كورونا وانهيار العملة والاقتصاد ووصولا إلى العدوان الإسرائيلي الأخير وأوضح نزها أن العديد من أصحاب المؤسسات استندوا إلى الأجواء الإيجابية التي شهدتها البلاد في عامي 2022 و2023 حيث افتتح نحو 300 مطعم في عام 2023 وحوالي 100 مطعم في مطلع عام 2024 إلا أن الوضع تدهور سريعا بعد إعلان شركات الطيران جدولة رحلاتها أو تعليقها إلى لبنان ودعوة السفارات الأجنبية والعربية مواطنيها لمغادرة البلاد بعد امتداد الاعتداءات إلى بيروت وضواحيها مما تسبب بتراجع كبير في الحركة السياحية وأكد نزها أن التراجع في مناطق بيروت الكبرى وصل إلى 90 حيث أغلقت محلات ومقاه ليلا فيما أقفلت بعض المحلات في وسط بيروت التجاري بشكل نهائي بينما أغلقت أخرى مؤقتا بانتظار انتهاء الأزمة وأشار نائب رئيس النقابة إلى أن الكلفة التشغيلية في لبنان مرتفعة للغاية إذ يفتقر البلد إلى طاقة كهربائية ومياه وبنية تحتية وخدمات نقل مناسبة مضيفا أن أصحاب المحلات والمقاهي يضطرون لدفع ثلاث فواتير شهرية تتعلق بالمياه واشتراك الكهرباء وتكاليف تشغيل المولدات الكهربائية مما يفاقم من الأزمة وذكر أن القطاع كان من أهم القطاعات في البلاد قبل الأزمة حيث كان يشغل 160 ألف لبناني مسجلين في الضمان الاجتماعي بالإضافة إلى 45 ألف عامل موسمي من طلاب الجامعات وكان هذا القطاع الأكبر استثمارا وتوظيفا ودفعا للضرائب للدولة كما أشار نزها إلى أن بعض أصحاب المؤسسات يسعون لجمع شمل الموظفين مع عائلاتهم حيث حول البعض مطاعمهم إلى مطابخ مفتوحة لإغاثة النازحين فيما تحولت بعض المقاهي على الواجهة البحرية لبيروت إلى مراكز إيواء وأردف أن الوضع في المناطق التي لم تتعرض للعدوان لا يزال مقبولا إلى حد ما لكن الأولوية بالنسبة للبنانيين اليوم أصبحت تأمين لقمة العيش والتموين خشية من فرض حصار على البلاد مشيرا إلى أن كل مؤسسة تحدد قدرتها على الاستمرارية ودفع رواتب الموظفين وتغطية الإيجارات ولفت إلى أن بعض أصحاب المؤسسات باعوا مدخراتهم وأراضيهم لتأسيس أعمالهم من جديد بعد أزمة عام 2019 مؤكدا أن القطاع يعتمد بشكل كبير على السياحة وأن النقابة كانت تعمل على دعم السياحة المستدامة إذ يتمتع لبنان بتاريخ سياحي متنوع بين التاريخي والصيفي والترفيهي والتعليمي وأضاف أن حركة النزوح إلى المناطق الآمنة ساهمت في تفعيل حوالي 30 إلى 40 من المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية خاصة في مناطق ساحل المتن وجبيل والبترون إلا أن حركة النشاط لا تزال ضعيفة في ظل سيطرة الخوف والقلق على المواطنين نشاط في المطاعم بمناطق النازحين بدوره قال مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر في حديث خاص لـالعربي الجديد إن حركة الشراء ارتفعت بنسبة 55 في مناطق استضافة النازحين خصوصا فيما يتعلق بقطاع الطعام السريع Street Food في حين تراجعت حركة الشراء في المطاعم بشكل عام في لبنان بنسبة تتراوح بين 90 و95 وأضاف أبو حيدر أن هذا الارتفاع يشمل المناطق التي تستضيف النازحين إلى جانب زيادة مؤقتة في حركة الشراء في محلات الألبسة ومحلات المفروشات بينما شهدت باقي المناطق والمجمعات التجارية تراجعا كبيرا تجاوز 90 مشيرا إلى أن تدفق الأموال من الخارج إلى اللبنانيين خاصة من أهالي النازحين ارتفع بنسبة تقارب 20 وأوضح أبو حيدر أن الكلفة التشغيلية ارتفعت في بعض الأحياء نتيجة تزايد الطلب على الكهرباء وتأمينها لساعات أطول ومع ذلك شهدت نسبة البطالة ارتفاعا كبيرا في لبنان حيث أصبحت بعض المؤسسات خارج مناطق استضافة النازحين قادرة على الصمود لأكثر شهر أو شهرين فقط وفي السياق نفسه قال أحمد صاحب مقهى شعبي في الجبل إن بعض زبائنه من بيروت بدأوا يتوجهون إلى مقهاه بحثا عن ملاذ هادئ بعيدا عن الأجواء المشحونة التي يشهدها لبنان واعتبر أن هذه الخطوة هي جزء من ظاهرة أكبر إذ يفضلها النازحون الهاربون من ضجيج الحرب والمخاوف المستمرة إلى المناطق الجبلية أو الساحلية التي لم تتأثر بشكل كبير بالأحداث العسكرية أما بيار صاحب مطعم تراثي في جبيل فقد أكد أن المدينة أصبحت ملاذا لكثير من السكان الذين يبحثون عن استقرار بعيدا عن الأوضاع المتوترة في بيروت والجنوب قائلا إن جبيل التي تتمتع بتاريخ طويل وجاذبية سياحية شهدت مؤخرا زيادة في التدفق من المناطق المتأثرة بالصراع والمدينة التي كانت تعرف بنشاطها السياحي طوال العام أصبحت اليوم وجهة للعديد من الأسر والناس الذين يسعون للاستقرار المؤقت بعيدا عن العنف الدائر وأكد أن هذا التحول في نمط الزوار أعاد الحياة بشكل جزئي إلى بعض المؤسسات التجارية التي تعتمد على السياحة المحلية رغم أن الحركة لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه في السابق تراجع الإنفاق من جانب ثان أفاد الخبير الاقتصادي كمال حمدان في حديث خاص لـالعربي الجديد بأن أكثر من مليون نازح توزعوا بين مراكز إيواء ومنازل مستأجرة ما يعني أن حوالي ربع المقيمين في لبنان نزحوا إلى مناطق آمنة موضحا أن المناطق القريبة من بيروت الإدارية شهدت انخفاضا كبيرا في عدد المقيمين وخاصة الضاحية الجنوبية التي كانت تضم حوالي 700 ألف مقيم بينما لا يتجاوز عدد سكانها اليوم 10 من هذا الرقم وأضاف أن من الطبيعي أن يؤدي انخفاض عدد المقيمين إلى تراجع جميع أنواع الإنفاق في هذه المناطق خصوصا الإنفاق الترفيهي على المطاعم والمقاهي والمتاجر وأشار حمدان إلى أن المناطق التي تعتبر حتى الآن آمنة نسبيا من العاصمة بيروت والأجزاء الشمالية والشرقية لا تزال تشهد بعض النشاط في المطاعم والمقاهي لكن الطلب على هذه الخدمات يظل ضعيفا في ظل الحرب وانعدام الاستقرار وأضاف أن القلق والوضع النفسي العام وهجرة بعض الفئات التي تعتبر من المستهلكين الأساسيين لهذه الأنشطة ينعكسون على معدلات تشغيل أقل من المعتاد وأضاف أن لبنان قد مر بحروب عدة منها الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من عام 1996 وحتى اليوم وأفاد حمدان بأن الناتج المحلي انخفض بنسبة 45 عما كان عليه في 2018 حيث بلغت تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2023 حوالي 24 مليار دولار مقارنة بأكثر من 53 مليار دولار في 2018 وبذلك نحن في قلب أزمة وتداعيات العدوان الإسرائيلي ستؤثر لفترة طويلة ومع ضعف الطلب على الخدمات سيضطر أصحاب الأعمال إلى خفض تكاليف التشغيل والعيش يوما بيوم حتى تنفجر الأوضاع وعلى الرغم من صمود القطاع الخاص في لبنان تاريخيا أمام التحديات الأمنية فإن الوضع الحالي يبدو أكثر تعقيدا فالخسائر ضخمة وهناك تغييرات ديموغرافية كبيرة تجعل التعافي صعبا حتى لو توقف العدوان الإسرائيلي