مصر وإثيوبيا وبكائية الحقبة الاستعمارية
لم تكن إثيوبيا من ضحايا التكالب الأوروبي على أفريقيا في الفترة بين 1880 - 1914، فقد ظلت إثيوبيا (الحبشة) رقماً صعباً في وجه القوى الأوروبية التي اتفقت على تقسيم 90% من أراضي القارة فيما بينها، وتمزيق قوميات وثقافات على خرائط من ورق لتصبح لاحقاً حدوداً مصطنعة، تأخذ شكل دول وطنية فيما بعد الاستعمار. هزمت إثيوبيا تحت قيادة الإمبراطور مينليك الثاني، إيطاليا هزيمة مدوية في معركة عدوة 1896، وبدلاً من أن تكون مستعمرة أفريقية كبقية القارة، تمكنت من التوسع عبر إبرام اتفاقات مع الأوروبيين فضمت إلى أراضيها إقليماً مثل أوغادين الصومالي وأراضي قوميات وممالك مستقلة مثل أورومو، وهرر، وعفر، وولايتا، ليتشكل منها جسد دولة إثيوبيا الراهنة. في تلك الفترة تحديداً (إثيوبيا المستقلة المتوسعة باتفاقات مع قوى أوروبية) كانت مصر والسودان ترزحان تحت الاحتلال البريطاني، وكانت لندن تنوب عن البلدين في المعاهدات والاتفاقيات الخارجية، وهي معاهدات، تحولت بحكم الوقت، إلى أمر واقع من وجهة نظر معظم خبراء القانون الدولي، تماماً مثل الحدود الأفريقية، وإقليم أوغادين الذي حصلت عليه إثيوبيا من بريطانيا في 1954 وترفض إعادته للصوماليين، لأن اتفاقات الحقبة الاستعمارية ملزمة في هذه الحالة.
مناسبة هذا الكلام، هو البيان الناري الذي أصدرته الحكومة الإثيوبية قبل أيام بشأن الخلاف مع مصر حول قواعد تشغيل سد النهضة، ومطالبة مصر بضمانات ملزمة لحصتها من مياه النيل. إذ يبدو من لغة البيان، ورغم أن السد قد اكتمل وبدأ في العمل بالفعل، أن الحكومة الإثيوبية لا تزال تستخدم الخلاف ورقةً لحشد الرأي العام الداخلي حول مسألة السيادة في مواجهة عدو يتربص بإثيوبيا واستقلالية قرارها! فقد اختزل البيان المخاوف المصرية في أنها نوع من الخطاب الاستعلائي وعودة للحقبة الاستعمارية.
يمكنني أن أزعم بداية أنني لست من مريدي الحكومة المصرية، بل على العكس، ومثل كثيرين غيري، أحمّل النظام الراهن جزءاً كبيراً من المسؤولية عن المأزق الذي وصل إليه ملف سد النهضة الإثيوبي. فعندما وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي على اتفاقية إعلان المبادئ مع رئيس الوزراء أبي
ارسال الخبر الى: