مسك العصا من المنتصف

84 مشاهدة

تتردّد في سورية عبارة تدعو إلى مسك العصا من المنتصف. يزعم الداعون إليها أنّهم بذلك يبنون البلاد والسلام، غير آبهين بالدماء والانتهاكات. ومعروفٌ أنّ مسك العصا من المنتصف شأن يخصّ ساسة الدول، فالدولة المهيمنة تمسك بالعصا، بها تشير وتنبّه، تغمز وتهمز، تصعّد وتهادن، تقرّع وتهدّد، وبها أيضاً تهشّ، وتضرب الرؤوس الكبيرة والصغيرة.
قد تكون العبارة مطروحة مجازاً. فمثلاً، طوال الحرب السابقة كان مصطلح الحرب الأهليّة لتوصيف الكارثة السوريّة يشعرني بالإهانة. ولتخفيف قهري، أحلْتُ العبارة إلى الفضاء المجازيّ. وما كان يعزّز إنكاري المصطلح أمران أساسيّان، أوّلهما: أن كثيرين من الساسة العرب والأجانب، والفضائيّات العربيّة التابعة لمُلّاك العصا، كانوا وقت إمساكهم بمنتصف العصا، يتخلّون عن ذلك المصطلح لصالح مصطلح الأزمة السوريّة. ولا شكّ كنّا ندرك أهداف مُلّاك العصا المغرضة وإعلاميّوهم. وثانيهما: أنّنا شهدنا وعايشنا خلال حركة النزوح الداخليّة الكبيرة إلى المحافظات السوريّة الآمنة، واستقبال أهلها إخوتهم المنكوبين، وإغاثة معارضين وموالين للنظام لهم، وإسكانهم بينهم، ولم يشغلهم اختلافهم الدينيّ والطائفيّ والإثنيّ. ويجدر ذكر أنّ نازحين عديدين، بعد هروب الأسد، آثروا البقاء في أمكنتهم.
تفاقمت قباحة العهد البائد، ونظامه متعدّد الطوائف، بجرائمهم وانتهاكاتهم وفسادهم خلال الحرب، أنكروا الجرائم، برّروا بعضها. تنصّلوا منها وألصقوها بالطرف الآخر (ارتكب جرائم وانتهاكات). فما أشبه يومنا بالأمس.
انتشرت فيديوهات كثيرة تصوّر مجازر الساحل والسويداء، صرخات الأهالي الموجعة لقتل أبنائهم، واعتقالهم التعسّفيّ، وقتل العجائز، خطف شبانهم وبناتهم. سرقة المحلّات التجاريّة والبيوت وحرقها، شتمهم وتهديدهم بخطابات طائفيّة مشينة، وما زال الأمر قائماً ولو بدرجات أقلّ. كما نُشرت مقالات هائلة مدجّجة بالبراهين والأدلّة، شهد بعض أصحابها تلك المجازر والانتهاكات وعاشوها. وكانت السويداء المدمّاة والمطعونة في كرامتها نقطة التحوّل المريعة. في حين كان الحلّ الوطنيّ سهلاً لا يتطلّب سوى فكّ السلطة الانتقاليّة حصارها للمحافظة، وفتح المعبر المؤدّي إلى دمشق، كانت كلفتها لا تذكر إزاء الكلفة الباهظة للسماح بفتح معبر إلى الكيان المحتلّ، ولكان الجلوس مجدّداً إلى طاولة حوار وطنيّ جامع يستعيد الثقة بينها وبين الجميع، وتفعيل مسار العدالة الانتقاليّة. بذلك، لن تُسأل الدولة

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح