مسجون في الأمل لنبيل الراعي فلسطين من داخلها
رجل وحيد على خشبة المسرح. الأسئلة تحاصره من الجهات كلها. ذاكرة تُفتح مثل جرح قديم لا يتوقف عن النزف. هكذا يصل الفنان الفلسطيني نبيل الراعي من الضفة الغربية إلى مسرح ديل بارّيو في مدريد، حاملاً معه سيرة شخصية تمتد من مخيم العروب شمال الخليل، مروراً بشوارع جنين التي يعرفها العالَم من صور الدمار، وصولاً إلى إسبانيا التي جاء إليها كي يروي حكايته أمام جمهور كان يتنفس معه لحظة بلحظة.
يقف أمامهم في عرض مسجون في الأمل ويقودهم عبر مسارات حياته. هي مسارات شاء التاريخ والسياسة أن تتقاطع مع محطات مركزية من تاريخ المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال الاستعماري، منذ بداياته الصهيونية وصولاً إلى السياسات الإسرائيلية المدعومة بريطانياً وأميركياً وبصمتٍ أوروبي طويل.
العرض الذي يقدمه الرّاعي حالياً في مدريد، ويتواصل حتى 12 ديسمبر/ كانون الأول، ليس محاضرة سياسية أو حكاية فردية. إنه تأمّل فني في بُنى السرديات القمعية، السرديات التي تُشرعن القمع: كيف تُصنع، ممّ تتكوّن، ولماذا تستمر؟ هو أيضاً نشيد للقاء الإنساني باعتباره شكلاً من أشكال المقاومة وبناء الثقافة في زمن يشتد فيه العنف الاستعماري وتتصاعد أوجه الإبادة والاحتلال.
سؤال لماذا تصنع مسرحاً عن فلسطين؟ لم يكن يوماً سؤالاً بريئاً بالنسبة لنبيل الرّاعي. فقد طُرح عليه، كما يقول في نوع من المناجاة، مراراً خلال ساعات طويلة من التحقيق، مصحوبة بالضرب، في السجون الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن جوابه يشبه ما قاله أحد ممثلي مسرح الحجر في الفيلم الوثائقي آولاد آرنا، وهو وثائقي يُعدّ مفتاحاً لفهم بعض ملامح المقاومة المدنية في الضفة الغربية: الوجود على الخشبة هو أفضل أشكال الاحتجاج. كالعثور على حصى خاص بي ورميه في وجه الاحتلال.
تنقّلٌ بين لغات ثلاث يعمّق التجربة المسرحية ولا يقطع السرد
على الخشبة، يستخدم نبيل الرّاعي حضوره الحيّ وصوته ليعيد تكوين عالمه الشخصي. يغنّي لابنته نغمة النوم التي غناها مرغماً تحت التعذيب في سجن عسقلان. يعزف على العود. يقرأ قصائد كتبها عن أهله وأرضه. لا يستعين بشاشات ولا تسجيلات. فالعرض شهادة حيّة، مباشرة، جافّة
ارسال الخبر الى: