مسارات السلب والمقاومة المستوطن في نسخته النيوليبرالية

٢٦ مشاهدة
لئن قام منطق الاستعمار الاستيطاني على سلب الأرض وإقصاء السكان الأصليين وإحلال مستوطنين بدلا عنهم فإن حالة الاستعمار الإسرائيلي تشهد مسارات مختلفة إذ لم ينجح مشروعها في محو السكان الأصليين نماذج أميركا وأستراليا ونيوزلندا لكنه أدار بنى جديدة للسلب تنتج الموت البطيء في سياق المزج الحاصل بين الاستعمار الاستيطاني والنيوليبرالية النيوليبرالية تندمج مع هذا الاستعمار وتقدم وجها جديدا من أوجه العنف الاستعماري وهذا ما قامت عليه مقاربة إيهاب محارمة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن السيمنار الأسبوعي بعنوان مسارات السلب ومسارات المقاومة في عصر الاستعمار الاستيطاني النيوليبرالي والذي عقد الأربعاء الماضي ركزت الورقة على سلب العمل والعمال الفلسطينيين العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي ومقاومتهم وتدمير قدرة الإنسان الفلسطيني على أرضه وكانت الضفة الغربية مجال بحثه واستقصائه الميداني تندمج النيوليبرالية مع الاستعمار وتقدم وجها جديدا منه يطرح الباحث منظوره حول العمل والعمال في سياق الاستعمار الاستيطاني بوصفه أداة للإقصاء وإنتاج الموت وتحقيق تراكم من خلال ذلك وكذا التفكير في منطق المقاومة الجديد الرافض للنيوليبرالية والاستعمار الاستيطاني والذي يظهر في ممارسات يومية متعددة ومتناقضة يسعى من خلالها الفلسطينيون إلى مواجهة سلطة المستوطنين وفرض سيادة متداخلة يتحدون فيها السيادة الاستعمارية والنيوليبرالية على الأرض وتبنى الباحث فكرة مفادها أن إسرائيل استعمار استيطاني أنشأ نظام أبارتهايد كما يقول المفكر عزمي بشارة وأن هذا النظام منذ التسعينيات أعاد بشكل ممنهج صياغة العلاقة بين الاستعمار الاستيطاني والنيوليبرالية كما يعتقد أندي كلارنو أستاذ علم الاجتماع والدراسات الأميركية والأفريقية وقد بات هذا النظام وفق رؤيته واضحا في معالمه القانونية والإدارية مع توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 وتجلى هذا الوضوح بشكل أكبر بعد انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2005 مع إنشاء بنية تحتية لتشغيل نظام الأبارتهايد إذا لم يكن الغرض من إنشاء هذا النظام الفصل والتمييز بين المستوطنين والفلسطينيين بل إن الإقصاء هو المنطق الناظم لممارسات تضمن أكبر قدر ممكن من الأرض مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين قبل الوصول إلى إنتاج الموت البطيء أو النزيف الوجودي الفلسطيني ينطلق محارمة من حقيقة أن 92 من الفلسطينيين حشروا في منطقتي ألف وباء اللتين تشكلان قرابة 36 من مساحة الضفة الغربية هذا يعني أن المدن والمخيمات تحولت إلى معازل محاطة بحواجز عسكرية مع منع أشكال الحياة في المناطق جيم في الوقت الذي ربطت فيه المستوطنات بطرق مع المدن الإسرائيلية حتى أصبحت أشبه بضواحي هذه المدن وبالطبع لم يتجاهل البحث جدار الفصل الإسمنتي بدأ بناؤه في عام 2002 قائلا إن المعازل وطرد السكان وجه أول من وجوه السلب أما داخل هذه المعازل فكيف يجري السلب يجيب بأن إسرائيل بعد فرضها الأمر الواقع بحصر الفلسطينيين في معازل فإنها تعمل على إقصائهم ومحوهم بشكل ممنهج وتدمير قدرتهم الفردية والجماعية على البقاء في الأرض وحرمانهم من فرصة العيش كمجتمع متماسك فضلا عن تجريدهم من القدرات اللازمة لمقاومة هذا الواقع ومما عالجه الباحث السلب بالمعنى الاقتصادي فالنهج النيوليبرالي الذي تبنته السلطة الفلسطينية في الضفة في ظل التناقض مع السلطة في غزة قد أنتج نظاما يرى إدارة المؤسسات العامة بالمنطق الأمني ولأن الاستعمار الاستيطاني النيوليبرالي يقدم استراتيجيات مبتكرة مقارنة بتجارب استعمارية لم تعاصر النيوليبرالية لاحظ الباحث أن السلطة إلى جانب إدارتها التعليم والصحة وغير ذلك انخرطت في مراقبة الفلسطينيين وضبط سلوكهم بالتنسيق مع المستعمر وكان هذا واضحا مع تمكن التكنوقراط والقادة النيوليبراليين في المؤسسات الدولية المانحة من بيع النيوليبرالية بوصفها وصفة لإنهاء الاستعمار وبناء الدولة أدى هذا وفق ما يخلص بعد الانتفاضة الثانية 2000 2005 إلى تعزيز إسرائيل اعتماد الفلسطينيين على العمل والاستهلاك أكثر في السوق الإسرائيلية مع ضرورة إبقائهم معتمدين على المنح والمساعدات الخارجية وإذا أخذنا إشادة المؤسسات المالية بالسلطة الفلسطينية ومؤسساتها فإن الاقتصاد الفلسطيني لم يتمكن من الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي هذا أمر يعاينه محارمة في تفاصيل عديدة لكن أبلغها هو ما تقوله الأرقام فالفلسطينيون منذ 1993 تلقوا أكثر من 45 مليار دولار مساعدات مالية من المانحين ومن كل دولار واحد يذهب 72 سنتا إلى الاقتصاد الإسرائيلي ورأى الباحث تعمق النهج النيوليبرالي المعتمد على التنسيق الاقتصادي ليصبح الخيار الأكثر براغماتية للنخب الاقتصادية والسياسية وتحول القضية الفلسطينية بالنسبة إلى هذه النخب إلى مشكلة تقنية ليس هذا فحسب بل قرأ الباحث في المشهد وجود بعض الفلسطينيين العاديين الذين أمنوا عبر هذا التحول طريقهم للصعود الاجتماعي وبرز ذلك مع صعود الاستهلاك المدفوع بالديون والصناعات الخدمية وغير ذلك مما يعني أن هذا النهج لم يعد يفسر سلوك النخبة السياسية بل انتشر إلى طبقات أخرى كما يقول واستعاد محارمة فترة زمنية تأسيسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي تشكل فيها اندماج رأس المال الإسرائيلي مع الأميركي ولا سيما في مجالات الصناعة الأمنية والعسكرية ما لعب دورا مهما في تحول الاقتصاد الإسرائيلي لهيمنة الصهيونية النيوليبرالية كما أن انتصار الليكود عام 1977 عزز في تعجيل عملية التحرير الاقتصادي إذ بنت النخب الإسرائيلية رؤاها على أن النيوليبرالية وسيلة للاستفادة من رأس المال الغربي في ما يتعلق بالمشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وفقا لذلك قال إنه لم يكن مصادفة النظر إلى اتفاقية أوسلو بوصفها فصلا من فصول النيوليبرالية وهي التي جاءت بوعود لـإسرائيل بتحقيق عوائد اقتصادية من خلال الاستثمار الدولي وفتح أسواق تمت أصلا مقاطعتها بالنسبة لهم ومن الدلائل التي يسوقها على كيفية عمل النيوليبرالية والتقائها مع الاستعمار الاستيطاني وصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 1996 وقد عمل جاهدا على تطبيق أفكاره النيوليبرالية عن السلام الاقتصادي بوصفها وسيلة لإقصاء الفلسطينيين ومحوهم وفي سياق السعي لسلب الأرض والسكان يأتي فهم الباحث لسلب العمل والعمال ويجادل بأنه بخلاف ديناميات الدمج القسري للفلسطينيين واقتصادهم بالاقتصاد الإسرائيلي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي استخدمت إسرائيل إعادة الهيكلة النيوليبرالية منذ انتهاء الانتفاضة الثانية تحديدا لإنتاج أنماط من السلب الناعم لإقصاء الفلسطينيين ومحوهم ثمة نمطان يبسطهما الباحث يتعلقان بإحكام السيطرة على أجساد الفلسطينيين الأول يظهر فيه الفلسطيني بوصفه ملفا أمنيا ترافق في السنوات الأخيرة مع تغير في طبيعة الحصول على تصاريح العمل والمرور من المعابر والحواجز الإسرائيلية وتنشيط ظاهرة وسطاء وسماسرة العمل والتصاريح ونصب كاميرات عالية الجودة في المزارع والمصانع والمطاعم والمرافق الخدمية التي تشغل عمالة فلسطينية وصولا إلى فرض العديد من التطبيقات في هواتف العمال كانت اتفاقية أوسلو فصلا من فصول النيوليبرالية أما النمط الثاني فهو عمل الفلسطينيين في مشاريع داخل الضفة الغربية في حقول صناعية وخدمية وزراعية ضمن المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية ويفصل في ذلك القول إن الضفة تضم أربع مدن صناعية وكل مدينة مدعومة من حكومة إقليمية أو دولية ويتراوح عدد المصانع بين ثلاثين وخمسين مصنعا وبحسب قائمين على بعض المصانع فإن السلع موجهة للسوق الإسرائيلية مستفيدة من برنامج يدعى من باب لباب Door to Door بدأ تنفيذه عام 2018 وتنقل فيه الشاحنات الإسرائيلية البضائع من باب المصنع الفلسطيني إلى المستورد الإسرائيلي دون الاضطرار للخضوع للتفتيش المطول على الحواجز تحت سلطة فلسطينية بوصفها شريكا اقتصاديا لكن الحال المفزعة التي يسلط الباحث عليها الضوء هي خضوع هذه المصانع لشروط إسرائيل في التوظيف تتضمن عدم تشغيل مقاومين أو من لهم تاريخ مقاوم أو مؤيدين للمقاومة كما تلزم المصانع بتركيب كاميرات مراقبة داخل المصانع وفي محيطها تعمل على مدار الساعة وموصولة بقواعد مراقبة تابعة للجيش الإسرائيلي كما تشرف على تدريب عناصر شركات الحماية الأمنية بهذا المعنى فإن أي فلسطيني يبدي رأيا يعبر فيه عن موقفه السياسي داخل مصانع في أرض تديرها السلطة الفلسطينية سيجعله عرضة للطرد من العمل ولقد واجهت الباحث عبارة سمعها من غالبية من التقاهم من العمل تقول هذا الشغل أعدم حياتي وهي على بساطتها كما يضيف تعكس بعدا آخر لتشابك الاستعمار الاستيطاني مع النيوليبرالية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح