مذكرات شرطي لبناني 2024 لفوزي ذبيان الصادرة عن منشورات المتوسط هي بحق سيرة الروائي الذي كان فعلا دركيا أمضى في هذه المهنة سنوات طويلة بحيث يمكن أن نعتبر الكتاب أكثر من سيرة شخصية نحن أمام المهنة كلها وقد تصدى لها من داخلها روائي محترف إنه أدب المهنة نجد في الكتاب حياة خاصة بالتأكيد لكن الكتاب يمكن أن يكون بالدرجة نفسها وثيقة وتاريخا نحن في الكتاب أمام الدركي والروائي وإذا صح أن الاثنين واحد لكن لهما طبيعتان الروائي والدركي واحد هنا إلا أن للدركي خطابه ولغته وللروائي من الجهة الأخرى خطابه ولغته الخطابان واللغتان لا يزالان في تقاطع وتداخل إلا أننا مع ذلك نراهما متوازيين ومتفارقين في الوقت ذاته الدركي هو بالتأكيد عامي لبناني لكن للمهنة مع ذلك ما يخصها لغة وتعابير وحركات وردودا ونماذج وطبائع ليس ذلك للروائي لكن فوزي ذبيان يحسن هنا أن يكون الاثنين بجدارة وامتياز حين يكون الدركي لا نشك أنه كذلك على طول النص لا نكف عن قراءة خرا في كل مكان خرا وخرائي يصر ذبيان على أن يذكر ذلك في كل محل من نصه بمناسبة وبغير مناسبة ويصر هنا على أن الدركي حين لا يتوقف عن نعت الآخرين بأنهم قضبان ذكورية أير مأير هو عند ذلك الدركي بلا أي فرق ربما هو الروائي يتدخل في ذلك حين يسمى دركيا يصر كدركي ولكن كروائي في الوقت ذاته على أن يكون دركيا حقيقيا يستخدم حرفته الأخرى ليتغلغل في مجتمع وشخصيات المهنة إنه روائي عند ذلك يصنع من حياته رواية ويهمه أن تكون روايته مطابقة وحقيقية لكن الروائي أيضا له حياته وفوزي هنا كما في السابق يريد أن يكون سرده مطابقا وحقيقيا لذا تحفل مذكرات الدركي بأسماء الكتاب أدباء ومفكرين وكتبهم إنه لا يكتب فقط فصلا كاملا عن لقائه بكمال الصليبي وفصلا كاملا له لواحق عن رواية الجندي شفيك الذي يشعر بقرابة له هو يذكر على سبيل المثال في فصل واحد غونتر غراس ولويس سبولفيدا ومحمد شكري ومارسيل بروست وبورخيس وسيوران ومورافيا وآلان روب غرييه والبسطامي وجان جينيه وكزانتزاكس وألبير كامو وماركيز والنفري في فصول أخرى نتعرف على أسماء إضافية ونقرأ استشهادات من كتبهم بحرفها هو بنفس الكرم الذي يورد فيه معجم الدرك يسترسل في الاستشهاد والاقتطاف من كتب بارزة الدركي هنا بذات قوة وحضور الروائي لكن الدركي ليس وحيدا إن له بيئته ومحيطه وناسه الكاتب هو الوحيد غالبا في السلك لذا يندهش زملاؤه في المهنة حين يقرأون له حديثا في السفير ومنذ ذلك يجد لنفسه طريقا خاصا في المهنة هو كتابة نصوص للضباط يلقونها في مناسبات لهم الروائي هو الذي يخلق الدركي والروائي هو الذي يبني على الواقع ومنه لكن الكاتب يستخدم حرفته الأخرى هذه ليتغلغل في مجتمع وشخصيات المهنة مجتمع وشخصيات هي من لبنان وتلعب لبنانيا لذا من وراء المهنة يتجلى المجتمع اللبناني ويتجلى الواقع والتاريخ والدولة بل ونحن نقرأ مذكرات شرطي لبناني نرى من قريب وربما مباشرة انهيار المجتمع والدولة اللبنانية يحرص فوزي على أن يرد كل من يذكرهم ضباطا وأنفارا وشخصيات إلى أديانهم ومذاهبهم هكذا يتعرف الفرد اللبناني وهكذا يتقدم إلى الدولة وهكذا تقدمه الدولة ذكر المذاهب والأديان نوع من واقع مباشر نوع من تقديم فج لكن حقيقي لأناس المجتمع وعلاقاتهم وأبنيتهم الاجتماعية والسياسية ودولتهم وحكامهم لسنا فقط هنا لكننا أيضا عن قرب في التاريخ اللبناني الراهن حين يعرض ذبيان لرستم غزالي الوالي السوري ولعشرات المصبرين في سياراتهم أمام بابه أو الذاهبين لحضور الدكتوراه التي منحتها له الجامعة حين نقرأ كيف جرى ردع البعثي السوري الوافد من عند قانصوه أمين عام حزب البعث في لبنان حين يذكر اصطدامه بشيخ حزب الله في وادي الحجير نشعر بأننا هكذا في مقاربة واقعية وفجة في واقعيتها لتاريخ البلد وحاضره إذا كانت مذكرات فوزي ذبيان في جانب منها سيرة شخصية فإن هذه السيرة لا تتقاطع فحسب مع تاريخ المجتمع والدولة إنها في نسخة واحدة ترينا كيف يحمل الأفراد دمغة واقعهم وتاريخهم يمكن لمذكرات فوزي ذبيان لذلك أن تكون في الوقت ذاته تاريخا جانبيا ووثيقة تاريخية شاعر وروائي من لبنان