دائما ما تحاول المخرجة الأميركية ماريان محمد عبر أفلامها الوثائقية تناول مواضيع اجتماعية وآنية مثيرة للجدل لتضعها على طاولة النقد والتشريح بهدف تعرية مخاطر التعصب والتطرف والعنصرية إضافة إلى نقاش قضايا مرتبطة بشخصيات مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك ينتهي بمحمد المطاف غالبا بنتاج تقليدي يتناول المواضيع الآمنة بحياد وبلسان يحاول إرضاء الجميع تعرف ماريان محمد عن نفسها بصفتها منتجة وكانت قد حصلت على جائزة بافتا عن عرضها التلفزيوني Defending Digga D الذي تابعت خلاله قضية الرابر Digga D قضية شغلت المجتمع الأميركي بعض الوقت في رصيدها خمسة أعمال وثائقية كان آخرها مذبحة الطائفة يوم واحد في جونزتاون Cult Massacre One Day in Jonestown وهي سلسلة مصغرة مكونة من ثلاث حلقات تعاونت على إنتاجها شركة 72 Films وناشيونال جيوغرافيك وبثتها منصة هولو نتابع في السلسلة الوثائقية الجديدة أحداث الأيام الأخيرة قبل المذبحة ذلك عبر أرشيف متكامل يحتوي أكثر من ساعة من لقطات لم تعرض بعد لجونزتاون سجلت حول المذبحة وروايات لشخصيات عايشت الأحداث التي أدت إلى مقتل 918 شخصا يضاف هذا العمل إلى عدد لا يحصى من الوثائقيات والتقارير التي تناولت المذبحة الفارق الوحيد هو التسجيل الصوتي لجيم جونز في الساعة الأخيرة قبل الانتحار الجماعي الليلة البيضاء حسب تسمية الطائفة الذي يبث لأول مرة عودة إلى السياق جيم جونز مؤسس طائفة جديدة متنوعة عرقيا وطبقيا تدعى معبد الشعب استمر نشاطها منذ عام 1955 إلى عام 1978 كان قبلها قسا ذا كاريزما فريدة في سان فرانسيسكو بعد فترة الستينيات الراديكالية وما شهدته من حركات اجتماعية كحركة الفهود السود وهارينا كريشنا وحلم مارتن لوثر كينغ ثم اغتياله والمظاهرات التي رفضت ضياع الهوية الأميركية في حرب فيتنام وانقسامات أخرى لقضايا اجتماعية كثيرة قرر أن ينتقل هو وطائفته إلى يوتوبيا خاصة بهم في الغابة النائية شمال غرب غيانا في أميركا الجنوبية بنى جيم جونز وأتباعه مشروع معبد الشعب الزراعي الذي واصل نشاطاته لست سنوات جيم جونز شخصية مثالية الفكر عاصر الكساد وكان في طفولته مهووسا بالوعظ وإقامة الجنائز وتأدية طقوسها فكان يقتل الحيوانات الصغيرة ويجرب طقوسه النرجسية فيها انتهى به الحال لتبدو شخصيته مزيجا متناقضا يجمع بين خصال هتلر وغاندي أما المشروع فكان عبارة عن معسكر في الغابة وكان النقيض التام لوعود جونز من كهرباء وطعام وطبابة مجانية وعدالة عرقية ركز جيم جونز بعد أن صادر جوازات سفر الجميع وهذا ما تكشف لاحقا في شهادات من بقي على قيد الحياة على فصل أعضاء الأسرة الواحدة بعضهم عن بعض ومنع أي تواصل مع الخارج كالصحف أو المجلات أو التلفاز أو الإذاعات هناك فقط إذاعة داخلية تبث خطبه ووعظه عبر المكبرات على مدار الساعة تفاقمت حالة الهوس النرجسي لدى جونز واعتبر أي خطر من الخارج يمثل تهديدا لهذا المجتمع وعند قدوم عضو الكونغرس الأميركي ليو رايان للاطمئنان على حال رعاياه بعد أن وصلت له الكثير من القصص المتناقضة عن هذا المجتمع الطارئ أمر جيم جونز بقتله وهذا ما نفذه اللواء الأحمر الكتيبة العسكرية في المستوطنة على مهبط الطائرات رميا بالرصاص ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص بمن فيهم عضو الكونغرس ومراسلان صحافيان والمنشقون عن الطائفة كان الحل النهائي بالنسبة له هو الليلة البيضاء وكانوا قد تدربوا في عدة مناسبات سابقة لتنفيذها في حال تعرضت يوتوبيتهم إلى الخطر ذلك عبر شرب السم أو الحقن خليط من السيانيد والكول إيد وقد تم الأمر قبل وصول الجيش الشهادات جميعها التي نتابعها في السلسلة الوثائقية تدين هذا العمل ولا تعتبره انتحارا بل قتل وحشي إذ وجد كثير من الناس مقتولين بالسم وهم مقيدون بالسلاسل المشاهد لهذه المذبحة مريعة وكانت قد هزت ضمير جيل كامل ركزت ماريان محمد على الأحداث الأخيرة قبل المذبحة وناقشت بإسهاب عبر الأصوات التي عرضت في السلسلة أهمية التعاطف مع الضحايا بعد أن تحولوا إلى نكتة في المجتمع الأميركي وعدم وصمهم أو اتهامهم بالجنون أو التطرف لم نحصل على أي فهم عام للسياق الذي أدى إلى ظهور شخصية كهذه ولم تقدم المخرجة أي معلومة عن المنابع المالية التي دعمت جونز بالسلاح والمخدرات والطعام ولم تقترب نهائيا من الدعم السياسي الذي حصل عليه في سان فرانسيسكو الميزة الوحيدة للعمل مقارنة مع غيره هو التسجيل الصوتي للساعة الأخيرة نسمع جونز يتحدث عن الانتحار الثوري والموت بكرامة وعدم مفارقة الحياة بالدموع والعذاب والخطبة درس اجتماعي مهم عن قدرة استغلال فقر وضعف وتفكك المجتمعات وكيف يمكن أن يقدم الأمل الزائف معلبا باليقين في زمن اللايقين والدفع بجماعة كبيرة من البشر المهمشين إلى التهلكة وفي إهانة أخيرة لأميركا تبرع جونز بأموال الطائفة للاتحاد السوفييتي يختتم العمل بجملة جيم جونز حاولت جاهدا أن نعيش بسلام والآن سنموت بسلام الذي وجدوه منتحرا برصاصة في الرأس خلف المنصة التي كان يطلق منها مواعظه التي لا تنتهي