مدينة قابس التونسية تتنفس الموت من جنة هادئة إلى كابوس بيئي

39 مشاهدة

تحت سماء ملبّدة بأبخرة رمادية كثيفة، تحوّلت مياه البحر قبالة مدينة قابس التونسية التي كانت تتلألأ بلونها الفيروزي ذات يوم إلى مسطح ملوث تلطخه بقع كبيرة من النفايات الكيميائية السوداء والصدئة. الهواء هنا ثقيل وخانق، يجعل من كل نفس تجربة مؤلمة، مشبع بغازات سامة تلسع العيون وتحرق الحناجر. اختفت الأسماك، وذبلت الأشجار، والواحات التي كانت تُروى من ينابيع طبيعية عذبة تحترق الآن في تربة ملوثة ومسمومة. وعلى الشواطئ، لم يتبقَ سوى بضع سلاحف نافقة ونفايات وسفن مهجورة.

لطالما عُرفت قابس بأنها جوهرة بيئية نادرة، حيث تعانق الواحات الخضراء البحر المتوسط في مشهد فريد. الجوهرة التي كانت تسمى جنة الدنيا حوّلها التلوث إلى أرض سامة، يتنفس سكانها هواء مسموماً، كأنهم داخل غرفة غاز مغلقة بلا نوافذ أو مفرّ. وما بدا ذات يوم مشروعاً صناعياً واقتصادياً طموحاً، تحوّل ببطء إلى كارثة إنسانية وبيئية متفاقمة. فالمجمع الذي يحول الفوسفات، أهم ثروات تونس الطبيعية، أنشئ عام 1972 باعتباره ركيزة للنمو الاقتصادي ومحركاً رئيسياً لصادرات تونس، وقد أصبح اليوم كابوساً حقيقياً يرعب السكان بشكل متزايد، إذ تلوح مداخن المجمع الكيميائي في قابس فوق شواطئ تغمرها النفايات، وتُنفث غازات سامة يستنشقها سكان المناطق المحيطة بدلاً من الهواء النقي. كل شهيق هنا يبدو كأنه خطوة نحو موت بطيء.

/>

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ومع تكرر حالات اختناق بين عشرات التلاميذ في مدارس قريبة من المصنع، انفجر الغضب، في واحدٍ من أكبر التحديات للرئيس قيس سعيد منذ بدأ الحكم بالمراسيم سنة 2021. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين اقتحموا المجمع وطالبوا بتفكيكه، وخرج عشرات الآلاف مجدداً إلى الشوارع يوم الأربعاء الماضي في احتجاج حاشد. وعلى عكس الاحتجاجات السابقة التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية في تونس، جاءت مطالب سكان قابس أبسط وأكثر إلحاحاً.. هم يطالبون فقط بحقهم في الحياة، في التنفس، يريدون نهاية لظروف يقولون إنها لا تطاق.

وفي الماضي، كانت المدينة تُعرف بأنها لؤلؤة بيئية، بمزيجها الفريد من الواحات والسواحل وتنوّعها الإيكولوجي، لكنها اليوم

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح