إلى أي مدى فقد الكيان المحتل جدواه الاقتصادية والسياسية للكفيل الغربي بعد حرب غزة وهل باتت إسرائيل عبئا ماليا وسياسيا على واشنطن وإلى مدى باتت تضر بمكانة الدولة العظمى للولايات المتحدة وأوروبا أسئلة باتت تطرح بقوة بالعواصم الغربية في أعقاب الحرب العدوانية على غزة التي دخلت شهرها الثامن وسط صمود المقاومة الفلسطينية في وجه القصف المتواصل والحصار والدعم الغربي المادي والنوعي اللامحدود للكيان المحتل على صعيد الداخل الأميركي من الواضح أن الكيان الإسرائيلي بات يخسر الدعم الشعبي والسياسي المهم لبقائه في المستقبل حيث دعمت الولايات المتحدة الكيان بنحو 300 مليار دولار منذ العام 1949 فقد أظهر استفتاء غالوب الذي أجري في مارس آذار الماضي أن 55 من الشباب يعارضون إسرائيل وحربها البشعة على غزة وترجمت هذه المعارضة في المظاهرات الشعبية بالعواصم الغربية والاحتجاجات الطلابية الحاشدة في الجامعات الأميركية والأوروبية العريقة مثل هارفارد وكولومبيا وستانفورد وجنوب كاليفورنيا وأوكسفورد والسوربون وتشير هذه الاحتجاجات التي فاضت بها الشوارع إلى أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي بدأ يفقد عمليا الدعم الغربي وأن مستقبل بقاء الكيان لم يعد مرغوبا فيه وسط الأجيال المقبلة وفق مراقبين وفي استفتاء بيو الذي أجري في فبراير شباط أعرب 56 من الشباب الأميركي بين سن 18 و29 سنة عن معارضتهم لإسرائيل واحتجاجهم على عدوانها على قطاع غزة ويرون أنها على خطأ وهذه الفئة العمرية المؤثرة في الانتخابات الأميركية ستضع بصماتها في إدارة القرار خلال السنوات المقبلة كما أن هذه الأجيال الجديدة هي التي ستقود الفكر الغربي وستدير مؤسساته المالية والاقتصادية وتشكل الاستراتيجيات الجديدة لأميركا وأوروبا في المستقبل كما أظهر تحليل بمعهد الدراسات الخارجية البريطاني تشاتام هاوس تراجع الدعم الحزبي لإسرائيل في أوروبا وأميركا داخل الأحزاب التقليدية رغم تهديد وإغراءات اللوبيات السياسية والمالية في أوروبا ونفوذ أيباك اللوبي القوي والغني الذي يدعم إسرائيل في أميركا وحسب مسح غالوب في فبراير شباط تراجع الدعم السياسي لإسرائيل بنسبة 18 لدى الحزب الديمقراطي و7 لدى الحزب الجمهوري في أميركا وربما يكون تراجع بنسبة كبيرة في البرلمان الأوروبي الذي يطالب بعض أعضائه بفرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني ومن الواضح أن عملية طوفان الأقصى وما تلاها من العدوان على غزة أحدثت تحولا جذريا في الرأي العام الأميركي والأوروبي وبثت الوعي حول الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي ويشير مسح بيو إلى أن البالغين الأصغر سنا في الولايات المتحدة يعارضون تقديم الولايات المتحدة معونات عسكرية ومالية لإسرائيل مقارنة بكبار السن في هذا الصدد يقول ستيفن أم والت الزميل بمعهد بلفور للدراسات بجامعة هارفارد في تحليل بصحيفة فورن بوليسي إن الفوائد الأميركية من دعم إسرائيل لم تعد تساوي الكلفة التي تدفعها البلاد وحان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل ويضيف في تحليله أن الحرب الإسرائيلية على غزة قدمت المزيد من الأدلة على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقدم لإسرائيل دعما اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا غير مشروط وأشار إلى أن فوائد هذه السياسة صفر للولايات المتحدة مقارنة بتكاليفها المرتفعة والمتزايدة وقال بدلا من العلاقة الخاصة تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية علما أنه مع تزايد العزلة الدولية لإسرائيل أصبح اعتمادها على الغطاء الدبلوماسي الأميركي شبه كامل وتشير بيانات مكتبة الكونغرس في واشنطن إلى أن إسرائيل تلقت معونات مالية بلغت 160 5 مليار دولار منذ إنشائها وحتى نهاية 2023 إضافة إلى الدعم الذي تتلقاه حاليا خلال العام الجاري وهي تواصل اجتياح غزة ويعادل الدعم المالي الأميركي بحساب التضخم أي القيمة الشرائية للدولار اليوم 300 مليار دولار وفق حسابات مجلس العلاقات الخارجية الأميركي وذلك إضافة إلى الدعم الفني والتقني والتدريب من قبل الجيش الأميركي والتدخل العسكري المباشر لدعم جيش الاحتلال في حروبه العدوانية ضد الفلسطينيين والدول العربية واستخدام أميركا لنفوذها الدبلوماسي في المؤسسات الأممية ويقول والت في تحليله إن دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على واشنطن أن تطالب بأرضية أخلاقية عالية على المسرح العالمي ويلاحظ أن أميركا وقفت معزولة في انتخابات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت بشبه إجماع لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة كما يشير إلى أن التكلفة السياسية الثانية لهذه العلاقة الخاصة هي أن إسرائيل تحظى باهتمام السياسة الخارجية الأميركية أكثر مما تستحق وبالتالي تشغل واشنطن عن قضايا استراتيجية مثل التنافس الاقتصادي والتجاري مع الصين والحرب في أوكرانيا والانتعاش الاقتصادي أما بالنسبة للدعم المالي فوفق بيانات أبحاث الكونغرس الأميركي بلغ إجمالي المساعدة الأميركية لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1949 حتى عام 2016 ما يقرب من 125 مليار دولار وهو مبلغ ضخم مما يجعل إسرائيل أكبر مستفيد من المساعدات الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبحلول نهاية حزمة المساعدات العسكرية التي مدتها عشر سنوات والتي تم الاتفاق عليها مؤخرا للفترة 2019 2028 سيبلغ الرقم الإجمالي حوالي 170 مليار دولار وشكلت المساعدات الأميركية في السنوات الأخيرة حوالي 3 من إجمالي الميزانية لإسرائيل و1 من ناتجها المحلي الإجمالي وفق دراسة تحليليه بجامعة هارفارد وترى الدراسة أن وقف المساعدات الأميركية سيعني أن إسرائيل ستضطر إلى تنفيذ برنامج تقشفي كبير وإجراء تخفيضات مؤلمة لميزانية إسرائيل المنهكة بالفعل لتلبية الاحتياجات المحلية مثل الصحة والتعليم وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية داخل إسرائيل التي تعاني من تجاذبات عرقية ودينية ويرى التحليل أن التأثير الحقيقي سيكون على ميزانية الدفاع الإسرائيلية التي شكلت المساعدات الأميركية ما يقرب من 20 منها ونحو 40 من ميزانية الجيش الإسرائيلي ويعتقد تحليل هارفارد أن وقف المساعدات الأميركية سيكون له تأثير مدمر على الموقف العسكري لإسرائيل ما لم تتم إعادة ترتيب كبيرة للأولويات في إسرائيل وسيكون لمثل هذا الترتيب تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة على الإسرائيليين ويخلص التحليل إلى أن إسرائيل بدون الدعم الأميركي ستبقى دولة ضعيفة ولن تتمكن أي من الدول الكبرى الأخرى المنتجة للأسلحة اليوم حتى تلك المناصرة لها مثل بريطانيا وفرنسا وحتى دول مثل روسيا والصين من تعويض إسرائيل عسكريا في حال خسارتها دعم الولايات المتحدة ومن المؤكد أنه لن يكون هناك من يرغب في توفير التمويل لدولة الكيان المحتل وعلى أية حال لا يوجد بديل نوعي للأسلحة الأميركية والولايات المتحدة ملتزمة بموجب العلاقة الخاصة مع إسرائيل بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وهذا التعهد الأميركي يعتبر سلاح الردع الذي تستخدمه تل أبيب ضد دول الشرق الأوسط وحسب تقرير مكتبة الكونغرس قدمت أميركا نحو 88 مليون دولار للقبة الحديدية التي تستخدمها إسرائيل ضد طائرات الدارون بين أعوام 2020 و2023 كما قدمت معونات للدفاع الصاروخي بلغت 6 616 مليارات دولار ويرى اللواء احتياط بالجيش الإسرائيلي إسحاق بريك في تصريحات نقلها فيسبوك يوم الأربعاء أن استمرار الحكومة في الحرب سيقود إلى انهيار الجيش الإسرائيلي ودمار الاقتصاد