مخلوقات مسكينة دعوة إلى التعبير البصري

٢٩ مشاهدة
ربما علينا التلويح لـالسينمات العربية للالتفات إلى كيفية صنع الأفلام أو إلى كيفية التفكير بالأفلام ليس لأن مخلوقات مسكينة ترجمة غير مباشرة للعنوان الإنكليزي Poor Things الذي له ترجمة أخرى أشياء فقيرة ـ الفائز بـالأسد الذهبي في الدورة 80 30 أغسطس آب ـ 9 سبتمبر أيلول 2023 لـمهرجان فينيسيا السينمائي ـ فيلم عظيم تخلو من بعده الأفلام كما اعتدنا وصف العظمة بل لأنه وغيره دعوة إلى التعبير البصري كما يراه المبدعون تماما فيفسحون المجال للبناء على إنجازاتهم من دون أن يشكلوا نقطة بداية أو نهاية لأحد فيبدو الفيلم تنبيها لـسينمات كهذه توقف عن تغطية المسكوت عنه بصريا وممارسة الصراحة عند المبدع في رؤيته الحقيقة عن هذه الصراحة تحديدا بنى اليوناني يورغوس لانتيموس عالما مختصا بتحويل المعلومات إلى معرفة كتجربة فانتازية غير افتراضية فالمعلومات العلمية غير نهائية إلى الآن ويمكن أن تنتقل إلى مرحلة غير نهائية أخرى عبر التجربة والبرهان العلمي لكن المكتشف حتما والموجود فعليا أداء إنساني تروضه التجربة في تحويل العلم إلى معرفة والمعرفة بطبيعتها بشرية اجتماعية أي أنها قابلة للترويض لكن ماذا لو لم تروض هذه المنتجات العلمية وظلت على حقيقتها أي كما صنعتها التجربة المخبرية هل تدخل في صراع المفاضلة بين العلم الصريح والتنظيم التكاذبي للملذات البشرية في ما يمكن تسميته بـالاجتماعية يطرح الفيلم هذه الإشكالية ـ القضية من دون إغفال الحب والهوى كوجود غير مدرج في التجربة العلمية التي تتلخص بوضع دماغ جديد في جسد قديم من عالم بيولوجي وجراح ذي جسد حديث ودماغ قديم ذي قيم علمية مثالية منسوبة إلى عالم الصدق والمواجهة بالحقائق كما هي هذا الرجل غادوين باكستر ويليام دافو يصبح الأب ـ الرحم بالنسبة إلى بيلا إيما ستون الفائزة بجوائز بافتا البريطانية وأوسكار الهوليوودية في فئة أفضل ممثلة وغولدن غلوب الأميركية في فئة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي 2024 المرأة التي تم تركيب عقل جنين في جمجمتها كي تستمر في العيش بهذا العقل عليها أن تتعلم مسارات العيش البشري في عزلة عن الاجتماعية عزلة يوفرها منزل ـ مختبر غادوين الأب الصانع المالك في تلميح ذكي وعابر في مقاربة الاسم مع لفظ غود ودمجه بـالأب والآب الذي ـ لشدة إخلاصه للعلم ـ يترك لبيلا حرية المغادرة لاكتشاف المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الإنسانة المهجنة التي تكتشف مكامن تلذذها صدفة وغريزة فترحل مع دنكن ودربرن مارك روفالو الهائم بها بحسب قاموس الحب المقتبس من الاجتماعية رغم خطبتها إلى تلميذه ومرشدها ماكس ماكاندلس رامي يوسف بهذه المغادرة تبدأ بيلا رحلتها من العيش إلى الحياة دنكن الذي يدمره هيامه بها لاحقا يتحلى بالمواصفات الاجتماعية للذكر المروض والمروض فيتصارع الشخصان لا الشخصيتان على قيم ومبادئ تبدو مختلفة المنشأ والفعالية رغم كونها كلها ناشئة من المصلحة الفردية فاستخدام الجسد بالنسبة إلى بيلا التي تنظر إليه نظرة صريحة مباشرة متعاكس تماما مع نظرة دنكن المؤثمة لبيلا نظرا إلى اندفاعها الصادق والمخلص لتلبية احتياجاته فتقول له وهي تبصق الطعام من فمها على مائدة طعام اجتماعية لماذا علي الاحتفاظ في فمي بمذاق لا يعجبني رغم هذه الاستباحة المنفلتة لبيلا الهجينة يزداد هيام دنكن بها كأنه يريد التحول إلى أيقونة ذكورية في الاجتماعية التي يعيش وسائلها يقودنا مخلوقات مسكينة غولدن غلوب أفضل فيلم موسيقي أو كوميدي 2024 في عوالم هجينة كبيلا وغادوين في رحلة إلى مدن غريبة رغم معرفتنا البصرية بها أثينا الإسكندرية باريس ليبدو كل ما في هذا العالم مهجنا فلا يمكن التعرف على أثينا من أكروبولها ولا باريس من برجها يتحول المكان إلى صانع أزمنة فلا زمن واحدا متسلسلا يمكن أن يلتقطه المشاهد فالأزمنة مرتبطة بالشخصيات والمدن شخصيات أيضا كما نلاحظ بمعنى أنها زمان إضافة إلى كونها مكانا ففي أثينا ترومايات معلقة وباريس ماخور في شكل فندق فاخر والإسكندرية مقابر ومظلومون أما السفينة التي نقلت بيلا ودنكن فمكان وزمان منتقلان أو متحولان بحسب قوة الترويض الكامنة في الآخر المحيط تندمج ثلاثة أزمنة في زمن مخلوقات مسكينة زمن بيلا وزمن غادوين وزمن الاجتماعية التي يمكن أن تلتصق بها صفة الترويض لصنع إنسان مهدد بالحرمان من السعادة فتبدو بيلا الوحيدة التي تستطيع ملامسة السعادة وممارستها رغم تحديها البريء والمستمر للحرمان بإمكانيات جسدية وعقلية ناقصة بمقياس الاجتماعية وذلك عبر الوصول إلى إجابات عقلية صرفة لا تأبه بمجريات الاجتماعية وأساليبها لكن هل تنجح بيلا الموجودة بفعل تهجين الاجتماعية بالعودة بها إلى منابع الأنسنة الصرفة كما يقتضيها المنطق العلمي قبل أن يتحول إلى معرفة يؤجل مخلوقات مسكينة الإجابة عن السؤال الآنف بسبب موت غادوين خضوعا لمنطق الحياة نفسها التي تمثل استمرارية الأسئلة واستمرارية محاولات الإجابة عنها كل ذلك متقطع ومتواصل في آن معا بسبب الموت ومحدودية زمن العمر حيث لا إجابة إلا التطور إلى أحسن أو أسوأ تماما كالعلم الصرف الذي يمكنه صنع تكنولوجيات السعادة مع صنعه تكنولوجيات القتل والتعذيب تقبع بيلا مستلقية ومعها ماكس إلى جوار غادوين المحتضر ـ الميت بانتظار العلم لعله يهيئ لهما تجربة معرفية جديدة الفانتازيا واقع كما في تعريفات فنية مخلوقات مسكينة فيلم واقعي يحكي عن تناقض العيش الاجتماعي مع التصميم الأولي لوجودنا الفردي حيث الانحياز إلى الحقيقة العلمية مهدد دائما بالنفي من الاجتماعية فماذا لو اختلفت الأزمنة في خضم واقع موجود وكلي القدرة على الترويض مرة أخرى نعود إلى السينمات العربية التي نجزم أنها لا تستطيع صنع فيلم كهذا لكن هناك تساؤل حقيقي هل تستطيع هذه السينمات أن تعرضه أو أن تساعد على السماح بعرضه تجاريا وعلى شاشات التلفزة المحلية السؤال برسم المنادين بصناعة سنيمائية عالمية وراقية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح