محمود حديد شريط ذكريات يدور مع بكرات 35 مم
في كل مرة يستعيد محمود حديد ــ الملقب بشيخ كار السينمائيين السوريين ــ فيلم سينما باراديزو (1988) لجوزيبيه تورنتاتوري، يبتسم قائلاً: هذا الفيلم عني... عني وعن نزيه الشهبندر وكل عارضي الأفلام. يرى حديد نفسه في شخصية ألفريدو، ذاك الذي انتهى به المطاف فاقداً بصره بين أنقاض صالة محترقة، بينما شاهَدَ الصالات التي عمل فيها تُغلق واحدة تلو الأخرى، من سينما بلودان إلى سينما الدنيا. وها هو اليوم متقاعد عن العمل بعد أن أغلقت سينما الدنيا منذ عام ونصف العام مرّا عليه كأنهما خمسون عاماً على حد تعبيره، لكن ذاكرته ما زالت تدور مع بكرات 35 مم التي يحتفظ بها، مع آلات عرض وتصوير قديمة، وأرشيف نادر من الأغاني والأفلام العربية.
حين استحضرنا أمامه سينما باراديزو، شردت عيناه كمن ينقّب في ذاكرة بعيدة، أو يستعيد مشهداً غابراً من حلم. يسأل: أرأيتِ كيف كان ألفريدو يقتطع مشاهد القُبل؟، ثمّ يجيب: هذا هو محمود حديد. حياة الرجل، وقد قارب التسعين، بدت هي الأخرى شريطاً سينمائياً متواصلاً من طفولته في قضاء صفد في فلسطين، حتى لقائه بمعلمه المخرج نزيه الشهبندر، وصولاً إلى سنواته الطويلة خلف ماكينة العرض.
ولد في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، وحفظ القرآن في حلقات الكتّاب قبل أن تطبع النكبة أول مشاهدها في ذاكرته. كلما نظر اليوم إلى ابن حفيده نائماً، عادت به الذاكرة إلى تلك اللحظة حين كان في العمر نفسه، واستيقظ على جدته توضب الأغراض استعداداً للرحيل. يقول: خرجنا من صفد ونمنا في وادي الطواحين في الجليل الأعلى. سمحوا لنا أن نبيت ليلاً هناك، ثم كانت عمتي وأمي تصعدان إلينا لتأتيا بما تستطعيان حمله على رأسيهما. كانت تلك أيام ما قبل 1948. يروي أنه جاء جيش الإنقاذ يأخذ العائلات إلى بلد قريب، أخذونا أولاً إلى لبنان، إلى منطقة عينطورة، ثم انتقلنا لاحقاً إلى دمشق. هناك، كان الاستقرار الأول في حي المزة الذي تنحدر منه جدته. يقول: الشعب السوري شعب عظيم. فتحوا لنا بيوتهم. من لم يجد بيتاً أقام في الجامع،
ارسال الخبر الى: