يعرف تاريخ فن التلاوة في مصر عددا من الشيوخ البارزين الذين جمعوا بين قراءة القرآن الكريم وبين الإنشاد الديني لكن الشيخ محمد حسن النادي 1923 1961 كان من قلة نادرة جمعت بين التلاوة والإنشاد والغناء الدنيوي التقليدي واستطاع رغم عمره القصير الذي لم يجاوز 38 عاما أن يثبت تفوقا في الميادين الثلاثة وأن يؤكد قدرته على الأداء الرفيع فيها جميعا فيرضى عنه جمهور التلاوة ويحترمه محبو الإنشاد ويطرب له أهل الغناء استطاع محمد حسن النادي أن يخط لنفسه أسلوبا خاصا في تلاوته وإنشاده لكنه امتلك في الوقت عينه قدرة فائقة على التقليد ومحاكاة كبار الشيوخ بدرجة مذهلة ويبدو أن هذه القدرة تنازعت في كثير من الأحيان مع استقلاله الأدائي وأثرت على وضوح أسلوبه الخاص فتأخر خطوة عن المكانة التي يستحقها تقول أوراق التاريخ إن الملك فاروق استمع إلى النادي عام 1948 وهو يتلو قرآن الجمعة في مسجد المرسي أبو العباس في الإسكندرية بعد أن ترك له الشيخ مصطفى إسماعيل دكة التلاوة ليمنحه فرصة العمر أعجب الملك بصوت النادي ووجه بتسهيل اعتماده قارئا إذاعيا قبل ذلك مر النادي بمرحلة تأسيسية مهمة بدأت بالفروض العينية اللازمة لاحتراف التلاوة مثل حفظ القرآن كاملا وإتقان أحكام التجويد لكن النادي كان يمتلك ما يميزه عن غيره من آلاف الحفظة والمجودين متمثلا في تلك الأذن المرهفة الحساسة التي تلتقط مختلف أشكال الجمال النغمي في وقت بلغ فيه فنا التلاوة والإنشاد ذروة عليا بأصوات الشيوخ محمد رفعت وعلي محمود وعبد الفتاح الشعشاعي وطه الفشني وإبراهيم الفران وأبو العينين شعيشع ومصطفى إسماعيل تشرب القارئ الشاب الأساليب المختلفة لهؤلاء الشيوخ واختزنها في ذاكرته الحديدية ليستعيدها في الوقت الذي يشاء متى قرر أن يقلد أيا منهم أو مزجها بعضها ببعض متى أراد أن يؤدي بطريقته الخاصة من دون أن ينتسب إلى غيره كان الشيخ محمد حسن النادي مشغوفا بالغناء يحفظ كثيرا من الموشحات والأدوار ويؤديها فيعجب ويطرب واستطاع أن يلفت انتباه شيخ الملحنين زكريا أحمد الذي قرر أن يبسط رعايته الفنية على الفتى الضرير متعدد المواهب فدفع به إلى معهد الموسيقى الشرقية هناك انفتح له عالم أرحب ومستوى أعلى من المستمعين والفنانين والعازفين ودفعه الاحتفاء والتشجيع إلى اهتمام خاص بالمعهد وأساتذته وشارك بكل عنفوانه الطربي في محافل المعهد ولياليه وخلال سنوات قصيرة صار الشاب الذي دخل المعهد للدراسة عضوا في مجلس الإدارة تشهد التسجيلات الغنائية للشيخ محمد حسن النادي بأنه مطرب مكين يغني وهو في حالة من السلطنة لا سيما في الجلسات التي تضم جمهورا من السميعة المتلهفين أو يحضرها بعض أصحاب الدراية الموسيقية كما يتضح ذلك بجلاء في تسجيلات جلساته الشهيرة مع الشيخ زكريا الذي لا يكاد يكف عن التعليقات المشجعة ليتجاوب معها النادي بمزيد من الإعادات الطروبة في مثل هذه الجلسات يستهل النادي غناءه بليال وموال ويبدأ هادئا كعادة الشيوخ ثم يتصاعد تدريجيا مدخرا كثيرا من طاقاته الطربية لأداء الدور أحب الرجل الأدوار وترك بصوته عددا منها هو بلا شك أقل كثيرا مما غناه في حياته ومن الأدوار التي وصلت إلينا بصوته بستان جمالك لمحمد عثمان وعلى عشق الجمال اعتاد فؤادي لداود حسني وإنت فاهم لزكريا أحمد تسمح مثل هذه الجلسات بمساحة كبيرة للارتجال والتفاعل المباشر مع السميعة وقد يطول بعض أجزائها بسبب طلبات الإعادة والتكرار كما تتسم بقدر من الصخب والضوضاء وأصوات القهقهة المتداخلة مع كلمات الاستحسان وبعض المستمعين والهواة لا يحب هذا النمط من الغناء المحاط بالضجيج كما لا يميلون إلى الإطالة والتكرار ويمكن أن نحيل هؤلاء إلى تسجيلات الشيخ النادي في استوديوهات الإذاعة وهي ثروة كبيرة من الابتهالات والأناشيد والموشحات التي كانت تبث منفردة أو ضمن صورة من صور الدراما الإذاعية كان الرجل منشدا ومطربا إذاعيا قديرا تعاون معه عدد من كبار الملحنين وترك للإذاعة كثيرا من الأعمال الغنائية والابتهالات المموسقة ومما ظهر منها خلال السنوات الفائتة يتذكر المهتمون تمثيلا لا حصرا نشيد احمدوه من كلمات محمود إسماعيل جاد وألحان الشيخ مرسي الحريري ويا خليلي من نظم عبد الله عفيفي وألحان الشيخ سيد شطا في مجتمعاتنا العربية المحافظة تتقبل الجماهير أن يجمع شيخ بين تلاوة القرآن والإنشاد الديني ثم تنحسر مساحة التقبل إذا كان إنشاد الشيخ القارئ مصحوبا بالعزف الآلي ثم يكون الرفض هو الموقف السائد إذا جمع الشيخ بين التلاوة والغناء الدنيوي والكلمات العاطفية مصحوبة بالموسيقى ليس رفضا للغناء ولكن رفضا لتغيير الصورة التقليدية عن قارئ القرآن الذي يعتبره المجتمع شخصية دينية لا يقبل منه كثيرا مما يقبل من غيره في حياته لم يسلم الشيخ محمد حسن النادي من هذه الانتقادات باعتباره قارئا شهيرا ولا ينبغي برأي بعضهم لقارئ القرآن أن يغني لم يلتفت الشيخ إلى هذه الانتقادات وسار في طريقه الفني غير آبه لا سيما أن غناءه العاطفي يقتصر على القوالب الشرقية الكلاسيكية من دور وموشح وقصيدة وموال وخلال سنوات من اعتماده في الإذاعة أصبح الشيخ يمثل ظاهرة استثنائية فهو قارئ مشهور التحق بالإذاعة بعد أن نال إعجاب الملك وهو منشد متمكن يؤدي الابتهالات والتواشيح بالبطانة وبدونها وبالمصاحبة الآلية أو من دون مصاحبة وفي الوقت عينه هو مطرب متمكن يؤدي قوالب الغناء العاطفي الدنيوي وأصبح أحد الوجوه البارزة في الأنشطة الفنية لمعهد الموسيقى العربية كل هذه الحيثيات كانت دافعا قويا لإذاعة صوت العرب كي تنتج عام 1955 صورة إذاعية أخرجها السيد بدير بعنوان الصييت تروي قصة الشيخ محمد حسن النادي ذاك الشاب الضرير الذي اقتحم ميادين التلاوة والإنشاد والغناء فأحسن وأجاد ونال إعجاب الأوساط الفنية في القاهرة المزدحمة بالمواهب لم يكن النادي قد جاوز 32 عاما حين قررت أشهر الإذاعات العربية إنتاج عمل خاص عنه وفي الصورة الإذاعية جسد الشيخ دور البطولة الغنائية إذ أدى عددا من الأعمال المتميزة التي كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى ولحنها أحمد صدقي ومنها قلبي سواك ما عبد وجهي لنورك سجد وأيضا الكون تنور بالفرقد والعرش ملائكه حوم وبشائر من مكة طلعت للملأ الأعلى تترنم بقدوم المبعوث محمد كان بعض شيوخ الفن القدماء يحبذ ألا يجمع القارئ بين تلاوة القرآن وبين الإنشاد الديني لا لحرج شرعي أو استنكار مجتمعي ولكن احترازا من أن يتأثر أداء القارئ في التلاوة المقيدة بأحكام التجويد ومقادير المدود بأدائه للابتهالات والقصائد المتسمة بالحرية في المدود والتقطيع والتلوين النغمي يرى المؤيدون لهذا الاتجاه أن التأثر واقع حتما وأن التفاوت يكون في مقداره فقط فقد يكون محدودا كما هو عند الشيخين علي محمود وطه الفشني وقد يكون كبيرا ومهيمنا مثلما حدث مع الشيوخ نصر الدين طوبار وسيد النقشبندي ومحمد عمران على اختلاف في شكل تأثر كل منهم في هذه المسألة يمثل الشيخ النادي نموذجا مهما صالحا للاستدعاء لأن الرجل وضع خطا فاصلا واضحا بين تلاوته للقرآن وبين إنشاده وغنائه وقد اتسمت تلاوته التي يؤديها بأسلوبه الخاص بالتوازن النغمي والحرص على السمت الموروث عن أعلام القراء مع خلو من القفزات ذات الطابع الأكروباتي وتجنب سلالم الكروماتيك التي تنزع من موسقة التلاوة طابعها الشرقي الكلاسيكي ومن أهم أسباب استدعاء النادي واستحضار سيرته الإقرائية أنه ينتمي إلى محافظة الشرقية التي يرى أكثر المهتمين بفن التلاوة في مصر أن شيوخها يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن تدهور هذا الفن وتراجعه عبر تصدير أصوات بالغة السوء ونشر أنماط أدائية شديدة الضعف والركاكة قبل النادي أخرجت الشرقية أحد أكبر أعلام التلاوة في القرن العشرين وهو الشيخ أحمد سليمان السعدني المتربع إلى اليوم وبلا منازع على عرش قراء المحافظة وبعد سنوات جاء محمد حسن النادي ذلك الشاب الذي أثبت جدارته في عصر المواهب لكن الأجيال الجديدة من قراء الشرقية أدارت ظهرها لهذا التاريخ واتخذت من مشاهير السرادقات وشيوخ النشاز النغمي قدوة غير حسنة وهو ما يعني أن أزمة هذا الفن ستطول كثيرا في الأول من شهر يونيو حزيران عام 1961 رحل القارئ المنشد المطرب رحل محمد حسن النادي