محمد بكري و جنين 2023 ما رأيته في المخيم

٢٦ مشاهدة
لم يخب حضور المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري عن المشهد السينمائي العربي والعالمي تراه عبر شاشة اللابتوب رغم رداءة الإنترنت كما يمكن أن تراه على خشبة المسرح وشاشة السينما قوي اللهجة ورخيم الصوت وتبدو لاحة الكبرياء والأنفة على مظهره لا يزال أيضا كما كان في شبابه مشتبكا مع الاحتلال لا يهدأ له بال إلا حين يكشف ويوثق جرائمه على أرض فلسطين هذا الاحتلال الذي سرق هناءة حياته ووداعتها فبات يتحدث وقد اختلط في لهجته الفرح مع الحزن يتحدث عن الحياة بنبرة الغاضب وعن الموت بلهجة الصلب الجسور المتمسك بالحياة في قرية البعنة في الجليل التي ترتفع عن سطح البحر نحو 300 متر ولد محمد بكري عام 1953 ثم انتقل إلى مدينة عكا المحتلة لاستكمال دراسته الثانوية درس التمثيل والأدب في جامعة تل أبيب عام 1973 لا تكمن أهميته في كونه خرق العزلة المفروضة على الإنسان الفلسطيني وانطلق بعيدا بشهرته فحسب وإنما بموهبته الاستثنائية وأفلامه التي يصر على أن تكون جزءا من ذاكرة فلسطين وأيضا لكونه مبدعا صاحب قضية مبدعا حوكم سنوات وسنوات على جريمة لم يرتكبها وإن ارتكب جريمة فهي إشهار الكاميرا وتوثيق ما ارتكبه الاحتلال بحق أبناء شعبه بعد 22 عاما من مجزرة مخيم جنين التي ارتكبها الاحتلال في انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية يعود محمد بكري إلى مخيم جنين ليس بكونه مطمئنا على حال أهلها بل موثقا مرة أخرى لمجزرة جديدة كان من حسن حظنا أن التقينا به وحاورناه عن فيلميه جنين جنين وجنين 2023 عن الحياة والموت في كنف الاحتلال عن مفهومي المقاومة والفن وعن السينما والمسرح وكواليسهما وعلاقتهما بواقعه الشخصي والعام في فيلمك الذي صورته أخيرا جنين 2023 كأنك تقول ما أشبه اليوم بالأمس تعود إلى المخيم الذي صورت مجزرته المهولة عام 2002 وتصور المذبحة الجديدة التي يشهدها قطاع غزة كله هذه المرة هل أصبح لدى الناس خصوصا الأطفال الذين شهدوا مجزرة جنين 2002 تعاط مختلف مع الموت أصبح الموت بالنسبة لأهل مخيم جنين وباقي مخيمات اللجوء في فلسطين أمرا عاديا بسبب قسوة الاحتلال ووحشيته ولا إنسانيته ما جعل الحياة شبه مستحيلة وأصبح اليوم كالأمس والغد وانعدم الأفق لقد سألت أحد المواطنين في مخيم جنين عام 2002 بعد أن استشهد ابنه ماذا يعني لك الاستشهاد فقابلني بابتسامة فيها كثير من الاستغراب من السؤال وقال اسأل أي إنسان في المخيم هذا السؤال وستجد أن الجميع على استعداد تام للموت من أجل التحرير والكرامة أما بالنسبة للأطفال الذين عاشوا هذه الاقتحامات والاجتياحات والمجازر فأعتقد أنهم يعيشون صدمة مستمرة تجعلهم يعشقون المقاومة ويرون فيها سبيلا للخلاص وربما أيضا عدم اكتراث بالحياة لأن حياة ابن المخيم كما يحصل الآن في غزة لا قيمة لها فيجدون في الموت ارتقاء إلى مكان آخر لا وجود فيه للوحوش القتلة وإنما فيه معنى للكرامة الدمار الذي خلفه الاحتلال في جنين 2002 لم يكن موجودا في جنين 2023 لذلك ركزت في الفيلم الأخير على الناس أكثر من المكان بينما في الفيلم الأول كان التركيز الأكبر على المكان المدمر والناس في وسط هذا الخراب الناس في جنين جنين لم يكونوا محبطين ولا مكسورين في حين كان الدمار يحيط بالمكان وبعد عام من المجزرة أعيد إعمار المخيم حينها أصبح المخيم معمرا والناس محطمين وهذا ما تعمدت تصويره في الفيلم الثاني الذي أعتبره أنشودة مهداة إلى المقاومة في جنين 2023 لا نرى ظهورا لأي جندي إسرائيلي خلافا لـجنين جنين اليوم باتت المجازر ترتكب من دون أن يعرف الضحايا والناجون وجوه القتلة فالأسلحة المتطورة سمحت بقتل مئات الفلسطينيين دفعة واحدة من دون أن تحدق الضحية في وجه الجلاد التطهير العرقي في الحرب الأخيرة بات أكثر وضوحا والعدوان يسري على كل الأنساق ويهدف إلى طمس وتدمير كل شيء ما صعوبة توثيق الحرب الراهنة سينمائيا لا في جنين جنين ولا في جنين 2023 وجود لجنود الاحتلال باستثناء مرورهم أمام الكاميرا فأنا لم أصور أي جندي بكاميرتي بل استعملت بعضا من الفيديوهات التي وصلتني من مصادر مختلفة سواء من نشرات أخبار أو فيسبوك أو غيرها في الفيلم الأخير تعمدت ألا أستخدم أي صورة لأي جندي أولا لأن الجنود لا يعنون لي شيئا وثانيا لأن ما يهمني هو روح الإنسان الفلسطيني المعذبة ورغبتي بإيصال صوتها إلى العالم الأبكم والأعمى والأطرش هل تعتقد أن فيلما وثائقيا عن المجازر لا يزال يحظى بمشاهدات في ظل الانتشار الهائل للمقاطع المصورة القادمة من غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي هناك فارق كبير بين الريبورتاج الصحافي أو المقاطع المصورة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الفيلم الوثائقي الذي يمتاز بجوانبه الفنية فالأخير يتقاطع مع الفيلم الروائي كونه يصل إلى أعماق الناس ويترك فيهم أثرا من دون أن يؤلم أرواحهم ويرهبهم أو يعرضهم إلى صدمة نفسية الفيلم الوثائقي أكثر استساغة للمتلقي من الريبورتاجات والمقاطع التوثيقية الخام التي تستثمر في الإعلام والإعلام وظيفته التهويل والتضخيم سأعطيك مثالا آخر في عام النكبة سمع الناس جميعهم عن مذبحة دير ياسين والمتداول أنها كانت مذبحة مروعة اغتصبت فيها النساء وبقرت بطونهن حين صورت فيلم 1948 عام 1998 زرت دير ياسين نظرا إلى هول ما سمعناه عن مجزرتها قابلت هناك شخصين رجلا وامرأة في الثمانين من عمرهما كان الاثنان في مقتبل الشباب في عام النكبة وعندما تحدثت إليهما وجدت أن لدى الاثنين روايتين مختلفتين عما حدث تحدث الرجل بموضوعية نظرا إلى أنه كان من المقاتلين الذين دافعوا عن البلاد أما المرأة فتباكت وهذا يعود إلى كونها عانت من صدمة نفسية ما جعل الفرق شاسعا بين ما قاله هو وما قالته هي أعتقد بأنها ضخمت الحدث وحين سألت الرجل عما روته لي علق بأن ما شهدته دير ياسين في عام النكبة كان معركة وليس مجزرة وحين خسر اليهود المعركة انتقموا من الفلسطينيين بضرب قنابل على البيوت وعلى الأطفال والنساء أي إن ما حدث في دير ياسين بدأ معركة ثم تحول إلى مجزرة المرأة روت الحادثة بعاطفتها أما المقاتل فتحدث بلغة باردة وقال إن القتلى كانوا 92 شخصا وعرض علي أسماءهم ولذلك اعتمدت شهادته أكثر من شهادتها وندمت على وضعها في الفيلم لأنني أتوخى الصدق لا أخفف من وطأة الحادثة ولكن علي أن أكون دقيقا جدا في نقل التفاصيل في دير ياسين كان هناك من يهول من المجزرة كي يرهب الناس من الاحتلال كما بثت إشاعات عن المجزرة لتصل إلى كل مناطق فلسطين ما جعل البرجوازيين يغادرون فلسطين هاربين والنتيجة أن الكاسب من هذه المعركة هو الاحتلال الأمر ينطبق على ما يحدث في غزة اليوم بالتأكيد هناك مجازر مروعة ووحشية ولكن طريقة نقل الصورة غير صحيحة لأن القائمين على الأخبار ولغاية في نفس يعقوب يهولونها أعتقد أن ما يحدث أكثر توحشا مما نراه فالوحشية تكمن في التفاصيل التي لا نراها في الريبورتاجات الصحافية ما يهمني بصفتي سينمائيا هو التفاصيل وهذه التفاصيل عصية على النسيان وتترك الأثر الأكبر لدى المتلقي بالنسبة إلي لا أحب إثارة الشفقة والبكائيات والعويل أميل إلى الموضوعية وإيصال الرسالة كما هي بأسلوب يحلو لي بصفتي فنانا لا أريد أن أخرج عن الموضوع ولكني أعتقد أن القص في الفيلم الوثائقي أكثر تعقيدا منه في الفيلم الدرامي حتى لأن الأخير قائم على بنية درامية وحبكة وصراع أما في الفيلم الوثائقي فصانع الفيلم يخلق القصة أذكر أني دخلت إلى المخيم في فيلم جنين جنين وكانت الجثث لا تزال عالقة تحت الأنقاض وبعضها يجري انتشاله ولكنني تعمدت ألا أوجه كاميرتي نحو الجثث والدماء في المقابل أظهرت روح المقاومة والعنفوان والقوة والعناد والتماسك والأمل الطفلة نجوى في جنين جنين هي اليوم امرأة ثلاثينية أم لأربعة أطفال تحدثت في الفيلم بعبارات بسيطة عن المقاومة عبر الإنجاب وبفضل هذه الفكرة غزة هي المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم هناك تنويعات ومرادفات لمصطلح المقاومة ما المقاومة من وجهة نظرك المقاومة بالنسبة إلي هي أن تدافع عن نفسك بأي وسيلة متاحة من دون تردد أو خوف وبإيمان بأنك صاحب حق ونحن أصحاب حق المقاومة بالنسبة إلي ليست عقائدية وإنما أيديولوجية فأنا أحارب الاحتلال بكل أنواعه ولا أحارب اليهود حربنا مع إسرائيل ليست دينية بل حرب رواية وحرب من أجل استعادة المكان والأرض هنالك قلة من الإسرائيليين لا يمكن لي أن أعاديها إيلان بابيه على سبيل المثال من اليهود الذين لا يمكن أن نحاربهم إذ وضع كتابه التطهير العرقي في فلسطين وقال لي في توقيع الكتاب في مسرح يافا إنه استوحى فكرته من فيلمي 1948 وبالعودة إلى ما كنت أتحدث عنه قبل قليل حول تأثير الفيلم الوثائقي فأعتقد أن ميزته الأساسية هو أنه يبقى حيا عبر العصور ويجب أن يعيش كما الموسيقى والمسرح والفن التشكيلي قدمت في كلا الفيلمين جنين جنين وجنين 2023 رواية الضحايا بلسانهم المعاناة والمأساة التي صورتها أضفت مصداقية على رواية الضحايا وعلى خلفية جنين جنين تعرضت إلى المضايقات والاستدعاء للقضاء عدا عن المبالغ الكبيرة التي اضطررت إلى دفعها يمكننا في الحرب الراهنة أن نتأمل كيف تخشى إسرائيل من السردية الفلسطينية وتسعى إلى تقييدها وتزييفها وطمسها هل تعتقد أن في انتصار السردية انتصارا للوجود الفلسطيني سؤال مهم يضحك لا أعرف ماذا أقول لك فلدي الكثير لأقوله منذ الكذبة الأولى التي اختلقها الاحتلال حين قال أتينا شعبا بلا أرض إلى أرض بلا شعب بدأت حرب الروايات والحقيقة أنهم أتوا إلى أرض فيها مجتمع مدني مزدهر جدا وكذلك مجتمع فلاحي مزدهر جدا مدينة يافا مثلا كان فيها سبع دور سينما ومسارح وثلاث صحف وأربع مجلات وكانت مركزا ثقافيا واقتصاديا بفضل مينائها التناقض في الروايتين بدأ مع قدوم الاحتلال لذلك أي شيء يتعارض مع الرواية الإسرائيلية مرفوض جملة وتفصيلا هناك مثل شعبي يقول الحرامي على رأسه ريشة وهم على رأسهم ريشة منذ النكبة وهم مستمرون بأعمال القتل والتطهير العرقي ما يحصل في غزة لم يبدأ في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 بل في 1948 وهم كالنعامة التي تطمر رأسها في الرمل يقولون حربنا ضد حماس ويتناسون أن الحركة تأسست عام 1987 أما المقاومة الروحية والنفسية فبدأت عام 1948 حين بقينا في أرضنا رغما عنهم ونحتنا حياتنا في الصخر والدي كان رجلا أميا لكنه كان دائما ما يقول لي بدي قطع من لحم كتافي وأعلمك حاله حال كثيرين من أهل البلاد كان يعرف أني حين أتعلم لن أكون عبدا لدى الاحتلال تعلمت وكنت من المتفوقين في الجامعة لأنني عربي وفلسطيني ولو لم أكن متعلما لـدعسوا علي كان علي أن أكون سوبر مان رجلا خارقا لأصبح مجرد مان رجل يقال البحر من أمامكم والعدو من خلفكم وهذا صحيح إما أن ننتصر في المعركة أو مصيرنا الغرق لا خيار آخر لذلك يكره الإسرائيليون فيلم جنين جنين لأنني وضعت فيه إصبعي على الجرح وهم عاجزون عن تكذيبه لذلك أيضا حاولوا أن يتهموني بالكذب والنفاق وألصقوا بي تهما كثيرة أخرى كي يحطموا صورة محمد بكري الرجل الجميل أزرق العينين والإنسان مهما حاولوا لن يتمكنوا من إنسانيتي بإمكانهم احتلال أرضي وبيتي ومالي ولكن إنسانيتي فلن يتمكنوا من مسها وسأظل أبتسم رغما عنهم إلى أن أموت تفتتح فيلمك من يوم ما رحت برسالة إلى الروائي الراحل إميل حبيبي تحدثه عما شاهدته في مخيم جنين ما أفظع ما شاهدته في جنين أو أشد ما أثر بك ولم يغب عن ذاكرتك كل مشهد لم أعرضه في الفيلم هل شاهدت حين قلت للراحل حبيبي في الفيلم إيه يا أبو سلام منيح اللي أنت مش معاي وأنا بحكيلك هيك لأنو بديش أقلق منامك كنت أقصد فظاعة ما رأيته في جنين من يوم ما رحت فيلم عنك عن حياتك تفتتحه برسالة إلى حبيبي وتختمه بمشهد لك وأنت تقف أمام قبره ما الذي يمثله إميل حبيبي في حياتك أعتبر إميل حبيبي مثل والدي كتب حبيبي رواية الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل سعيد أبو النحس هو إميل حبيبي وإميل حبيبي هو أبي وأبي هو سعيد أبو النحس في عام النكبة خرج أكثر من 90 من الفلسطينيين إلى منفاهم القسري بالقوة تبقى منهم 155 ألف فلسطيني في أرض فلسطين وهؤلاء كلهم هم سعيد أبو النحس لأنهم بقوا في أرضهم حملوا هويات زرقاء وبقوا وسموا إسرائيليين وبقوا محمود درويش الذي أعتبره أعظم شاعر في العالم خونه العرب كانوا يعتبروننا إسرائيليين حتى محمود درويش أيقونة الشعب الفلسطيني خون ما بالك بمن بقي في الداخل ولا يمتلك جمال روح وفكر محمود درويش هؤلاء اضطروا إلى أن يمشوا الحيط الحيط ويقولوا يا رب السترة كان والدي يقول لي افعل ما شئت ولكن إياك والحزب الشيوعي الذي يمس بأمن الدولة ويخرب البيوت رباني أن أكون ولدا جيدا ولكني فهمت في الصف الرابع الابتدائي أن طريق والدي غلط قلت له يابا أنت غلطان وضربني كان والدي ضخما وبنيته قوية أبرحني ضربا مع ذلك قلت له الأستاذ الذي يعلمني في المدرسة كمان غلطان فرد علي مستنكرا ومغتاظا شو بدك تغير العالم أجبت آه رح غير العالم وقبل أن يموت قال لي إنت الصح كان عمري عند رحيله 48 عاما والدك شاهد فيلمي جنين جنين و1948 إذن نعم شاهد فيلم 1948 وظهر فيه وقدم شهادته عن النكبة وشعرت بأنه بشهادته في الفيلم كأنه يقول إنت الصح أما جنين جنين فكان بالنسبة إليه القشة التي قسمت ظهر البعير القصص المرهونة بوجود الاحتلال تحضر فيها مفردات الموت ولكن ماذا عن الحياة كيف تعرف الحياة في ظل وجود احتلال أكره الاحتلال أكرهه لأنه منعني من التواصل مع من أحب في العالم العربي وفي غزة منعني من أن أعيش حياتي إنسانا عاديا أجبرني على أن أكون سوبر مان وأنا بديش أكون سوبر مان جعلني أكره في بعض الأحيان وأنا لا أقوى على الكراهية جعلني أحقد ولا أحب أن أحقد الكراهية شعور طبيعي ولكن الحقد شعور مرضي حاول الاحتلال أن يسرق مني فرحي قاومت بأسناني وأظافري كي لا يسرقه مني الاحتلال حفر ندبات لدي حاول أن يغيرني ويسلب مني هويتي حاول أيضا أن يغريني أذكر أني حين صورت جنين جنين اتصل بي رئيس دولة الاحتلال المتهم بقضايا اغتصاب موشيه كاتساف ذهبت والتقيته استقبلني استقبال الملوك واحتفى بي لا أزال أذكر أني حين صافحته كان العرق يبلل كفه ما أثار اشمئزازي حدثني أنه عندما كان وزيرا قد التقى بسياسيين عرب من الدول الشقيقة بلهجة ساخرة استمعت إليه 45 دقيقة يتحدث عن كل شيء أخيرا عرفت سبب الدعوة قال قرأت المقابلة التي أجرتها صحيفة معاريف معك وصرحت فيها تصريحات متطرفة وقاسية رغم أنك ممثل مبدع ومشهور وشخص محترم ومحبوب أضاف نحن في حرب مع الفلسطينيين الحيوانات الذين قلت إنك تتفهمهم وصورت فيلم جنين جنين الذي يتناولنا كما أنك تنتقد الحكم الإسرائيلي لماذا تصرح بهذه التصريحات مع أننا نحترمك صحيح أنك فنان كبير وأنا أحب فنك لكن دعك من السياسة لديك كثير من المؤيدين من اليهود والعرب طالما يعجبك الحديث بالسياسة إلى هذا الحد لماذا لم تذهب إلى الكنيست بعد حديثه الطويل الذي حاولت قدر المستطاع اختصاره ما كان علي إلا أن أخرجت فيلم جنين جنين من حقيبتي وعرضت عليه أن يشاهده فرفض بشدة سألته لماذا ترفض هل شاهدت الفيلم قال لا قرأت عنه وكلامه هذا كان لسان حال الشارع الإسرائيلي وأنهى كلامه بعبارة على شكل نصيحة سيبك من الفيلم ضعه في الدرج فهو ممنوع شو بدك بوجع الراس كلامه جعلني أبدو كمن تلقى صفعة مدوية أو خبط على رأسه وددت لو قلت له سكر نيعك خرجت من عنده وكل ما كنت أريده هو أن أتنفس سلكت طريقي نحو سينماتيك في القدس الغربية طلبت قهوة واتصلت بمحاميتي أخبرتها عن لقائي مع كاتساف فاستنتجت من الحوار الذي دار بيني وبينه أن محكمة العدل العليا قررت أن تسمح بعرض الفيلم فهناك قانون في إسرائيل يقرر أن القضايا الساخنة تعرض على رئيس دولة الاحتلال قبل أن تخرج إلى الملأ كان يعلم أن المحكمة قررت عرض الفيلم وحاول أن يستعيض عن قرار المحكمة بأن يقنعني بالتخلي عن فكرة عرضه الفن الفلسطيني لا بد أن يشتبك بالسياسة ألا ترى أنه بات يؤدي دورا يتجاوز كونه فنا بالتأكيد إذا كان الفنان الفلسطيني صاحب مبدأ وصاحب انتماء إلى بلاده التي يقض مضجعه ويؤرق نومه التفكير في معاناة أهلها وإن لم يكن الفنان بهذا الشكل فهو ليس فنانا بالنسبة إلي ليس بإمكاني أن أكون غير ذلك ثلاثون عاما متواصلة والمتشائل تعرض على الخشبة لماذا يلقى هذا العمل ترحيبا من الجمهور مع اختلاف الزمان والمكان والظروف السياسية لعرضه سأستأنف عرض المتشائل لم أكتف من عرضها بعد سر المتشائل يكمن في عظمة الرواية على الرغم من أن محمود درويش خالفني الرأي في جودتها فهو أحب المسرحية ولم يحب الرواية وأيضا بسبب الصدق والعمق في الضعف الإنساني الموجود في الرواية التي أعتبرها من أروع ما قرأت في الأدب العربي والسبب الأخير هو أنني موهوب مازحا شخصية سعيد أبو النحس بحد ذاتها مستقاة من الموروث الشعبي العربي سعيد ليس إرثا فلسطينيا وإنما هو إرث إنساني ليس لسعيد هوية وطنية بل هوية إنسانية فأينما يوجد قوي وضعيف يوجد سعيد المتشائل بالنسبة إلي ليست مجرد مسرحية إنها حياة وحب لا ينضب كما سعيد الذي يأكل مئات الصفعات على وجهه ولا يتوقف عن الحب ما زلت تحلم بتحويل المتشائل إلى فيلم سينما أحلم هل لا بد للفلسطيني أن يعيش كما المتشائل متأرجحا بين التشاؤم والتفاؤل ليس الفلسطيني فقط بل كل إنسان يشبه سعيد على وجه الكرة الأرضية يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم بين الذكاء الخارق والغباء المفرط بين السذاجة والإبليسية ويجمع في شخصيته كل التناقضات الموجودة في العالم تقول أحلم بأن أكون محمود درويش في السينما ما الذي تقصده بهذه العبارة وهل تقصدها بصفتك مخرجا أم ممثلا أعني بهذه العبارة وجهي المعنى المعنى الحرفي لها وهو أني أود أن أمثل شخصية محمود درويش في السينما والمعنى الثاني أي أن أترك في السينما الأثر ذاته الذي تركه درويش في الشعر تشبهان بعضكما بعضا نعم ولكن أنا أجمل بقليل مازحا يميل كثيرون إلى إضفاء هالة من الأسطرة حول الشخصية الفلسطينية ووصفها بكل صفات البطولة ما يمكن أن يجردها أحيانا من إنسانيتها ويصادر حقها في البكاء أو الانهيار أو إعلان اليأس باعتقادك هل تحتاج صورة الشخصية الفلسطينية إلى الأنسنة فقط إلى أنسنة والنزول عن الشجرة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح