محمد المصباحي عن العقل والخيال في التراث الإسلامي
لا يتعامل الباحث المغربي محمد المصباحي مع الخيال بوصفه موضوعاً أدبياً أو دينياً فحسب، وإنما أحد المفاتيح المركزية لفهم العلاقة بين العقل والمعرفة، وبين الحس والروح. ومن خلال هذا المنظور، يسعى إلى إبراز كيف تحوّل الخيال من مجرد قدرة نفسية إلى مبدأ فلسفي أساسي في التفكير الإسلامي.
في كتابه فلسفة الخيال في الفكر العربي الإسلامي (منتدى المعارف، 2025)، يقدّم قراءة فكرية معمقة لمفهوم الخيال، محاولاً تحديد موقعه ضمن البنية الفلسفية التي صاغها فلاسفة الإسلام في العصر الوسيط. من اللحظة الأولى، يتضح أن المصباحي لا يكتب من موقع المؤرخ، بل من موقع الباحث الذي يقرأ التراث باعتباره تجربة فكرية حية.
يتتبع الكتاب مسار مفهوم الخيال لدى مجموعة من المفكرين المسلمين البارزين، من الكندي والفارابي إلى ابن سينا وابن باجة وابن رشد وابن عربي وصدر الدين الشيرازي. ومن خلال هذه المقارنة، يكشف المصباحي عن تنوع المقاربات التي تناولت العلاقة بين الخيال والعقل. فبينما اعتبر ابن سينا الخيال وسيطاً بين الحس والعقل، جعله ابن عربي فضاءً برزخياً يجمع بين المادي والروحي، في حين قدّمه الشيرازي مرتبة وجودية قائمة بذاتها، تمتلك قدرة على الإبداع والتشكيل.
البيئة الثقافية التي وُلدت فيها فلسفة الخيال كانت محكومة بتقابل واضح بين الفلسفة والشريعة
يناقش الكتاب أيضاً الطابع الإشكالي لفلسفة الخيال في الفكر الإسلامي، حيث انشغل الفلاسفة بتحديد وضعه الأنطولوجي، هل هو جزء من الجسد أم قوة من قوى النفس؟ هل هو فعل أم انفعال؟ وهل يمكنه أن يتجاوز المحاكاة ليخلق صوراً جديدة تنتمي إلى عالم مستقل؟ هذه الأسئلة، كما يرى المؤلف، كانت محور جدلية التعاون والتنافي بين العقل والخيال في الثقافة الإسلامية، وهي جدلية لم تُحسم، بل استمرت بوصفها مصدراً خصباً للتفكير.
وفي عرضه لتاريخ الفكرة، يبيّن المصباحي أن البيئة الثقافية التي وُلدت فيها فلسفة الخيال كانت محكومة بتقابل واضح بين الفلسفة والشريعة، الأولى تستند إلى البرهان العقلي والثانية تعتمد على التمثيل والخيال في القصص والأساطير والاستعارات. غير أن الفلاسفة، حاولوا تجاوز هذا الانقسام بإعادة الاعتبار
ارسال الخبر الى: