ببالغ الحزن والأسى وبقلب يقطر وجعا تلقينا نبأ رحيل الدكتور محمد محسن الظاهري أستاذ العلوم السياسية ورئيس نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء بعد صراع طويل مع مرض السرطان خاضه بصبر جميل ورضا يليق بالمؤمن المحتسب رحل الرجل الذي لم يكن مجرد أكاديمي محاضر أو منظر في قاعات الدرس بل كان حالة فكرية ونضالية نادرة تماهى فيها القول بالفعل واتحد فيها الفكر بالموقف والعلم بالكرامة والسياسة بالشرف كان الدكتور الظاهري مدرسة قائمة بذاتها مدرسة تؤمن بأن السياسة ليست حيلة ولا مكيدة ولا مصلحة عابرة بل موقف وانتماء وشرف وتضحية لقد علم طلابه وزملاءه قبل أن يعلمهم الكتب أن الفكر بلا التزام أخلاقي لا معنى له وأن المثقف الذي لا ينحاز إلى الناس وإلى الحقيقة لا يستحق أن ينصت إليه التاريخ كان يعيش القيم التي يؤمن بها بسيطا في مظهره عظيما في جوهره زاهدا في زخارف الدنيا ومباهجها كم من المناصب والفرص والمغريات عرضت عليه فرفضها جميعا بصلابة من يملك نفسه واعتزاز من يعرف قدره فقد جمع بين الاعتداد بالنفس والتواضع الحقيقي وهي معادلة لا يجيدها إلا القليل من الرجال الذين صاغوا ذواتهم على مبادئ لا تهتز عرفته عن قرب فوجدت فيه مثالا نادرا للرجل الذي يعيش للمبادئ لا للمصالح وللقيم لا للأضواء كان ممن تغيبهم الأنظمة ولا يغيبون عن الضمائر وممن يبتعدون عن الضجيج ليتركوا أثرا عميقا في صمتهم لم يكن يسعى إلى مكسب أو منصب أو شهرة أتذكره بعد أحداث عام 2015 يوم ضاقت به سبل العيش لكنه ظل في صنعاء ثابتا على مبادئه مرفوع الرأس لا يساوم ولا يلين حاولت أن أرسل له مبلغا من المال ليستعين به في تلك الظروف لكنه رفض رفضا قاطعا أن يستلمه رغم ما يجمعني به من صداقة ومحبة واحترام كان وحيدا في زمن ازدحم بالمدعين يمشي في درب السياسة كما يمشي العارف في طريق الحقيقة ثابت الخطى مرفوع الهامة لا تغريه المغانم ولا ترعبه العواقب صعر خده لكل غوايات السياسة ومكائدها وأدار ظهره لحساباتها الضيقة ومنافعها الزائلة مؤمنا أن الاستقلال في الرأي شرف وأن الانحياز للضمير أسمى من الانتماء لأي سلطة أو تيار لم يكن يوما تابعا لأحد ولا صدى لصوت غير صوته الداخلي الذي يهتدي بالبصيرة لا بالمصلحة كان إذا قال قال عن قناعة نابعة من أعماق التجربة والفكر وإذا وقف وقف على أرض صلبة من الإيمان بما يرى لا بما يراد له أن يرى عاش مسكونا بحالة من غنى النفس وكرم الروح قل أن تجد لها نظيرا لم يكن غناه مالا ولا جاها بل غنى القناعة وطمأنينة القلب ونقاء السريرة كان يملك من الكبرياء ما يحول بينه وبين المساومة ومن الزهد ما يجعله عزيزا ومن النقاء ما يجعله سامقا فوق الصغائر كلها رحل الدكتور محمد محسن الظاهري جسدا لكنه ترك خلفه ما هو أبقى من الجسد ترك سيرة رجل عاش كما أراد الله للرجال أن يعيشوا أحرارا صادقين شامخين سيبقى في ذاكرة طلابه وزملائه وكل من عرفه ضميرا نبيلا وعلما من أعلام الفكر الوطني النزيه سلام عليه يوم علمنا أن الانتماء للوطن ليس شعارا بل سلوكا ويوم آمن أن السياسة لا تكون شريفة إلا إذا حملت هم الناس ويوم رحل مرفوع الرأس كما عاش رحم الله الدكتور محمد الظاهري وأسكنه فسيح جناته وتقبله مع الأولياء والصالحين من عباده ولا نقول في هذا المصاب الجلل إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون خالص العزاء لأولاده وأسرته الكريمة ولكل طلابه وأصدقائه ومحبيه