فيما تواصل فصائل المعارضة السورية تقدمها السريع في الشمال السوري باتجاه مدن الوسط تأتي مواقف الكرملين والخارجية الروسية لتزيد من حجم التساؤلات حول التغيرات في حدود ومحددات الدور الروسي في سورية وفيما خيب تباطؤ روسيا في توجيه ضربات لوقف تقدم فصائل المعارضة السورية أمل أنصار النظام في الداخل والخارج من الحليف الروسي تجاهلت بروباغاندا الكرملين تغطية الأحداث في سورية وفتحت المجال أمام نقاشات واسعة على مستوى قنوات المراسلين العسكريين الروس الذين اجتهدوا بعرض فرضيات وتفسيرات وتوقعات متباينة كما برز اليوم ما نقلته وكالة بلومبيرغ عن شخص مقرب من الكرملين الذي أشار إلى أن روسيا لا تملك خطة لإنقاذ بشار الأسد ولا ترى إمكانية لإيجاد واحدة طالما استمر الجيش في التخلي عن مواقعه بالتزامن مع دعوة السفارة الروسية في دمشق الرعايا الروس إلى مغادرة البلاد في رحلات تجارية من خلال المطارات العاملة محذرة من الوضع العسكري والسياسي الصعب في سورية روسيا وهجوم المعارضة السورية في اليوم الثاني من هجوم المعارضة السورية في 29 نوفمبر تشرين الثاني الماضي وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الهجوم على حلب بأنه تعد على السيادة السورية داعيا السلطات السورية إلى استعادة النظام الدستوري بسرعة والاثنين الماضي قال بيسكوف نواصل اتصالاتنا على المستويات المناسبة وسنقوم بتحليل الوضع وسيتم اتخاذ موقف بشأن ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار في الوضع ورغم التطورات الميدانية الكبيرة والمتسارعة كشفت تصريحات بيسكوف الخميس الماضي أن مواقف الكرملين لم تتغير بشكل جذري حتى بعد مكالمتي الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيريه وشريكيه في مسار أستانة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني مسعود بزشكيان وأشار بيسكوف إلى أن بلاده تراقب بعناية شديدة ما يحدث في سورية نحن في حوار مستمر مع أصدقائنا السوريين ومع دمشق ومع تأكيده على أن روسيا قادرة على تقديم المساعدة العسكرية لدعم سورية إذا لزم الأمر أوضح بيسكوف أنه سيكون من الممكن الحديث عن مدى المساعدة المطلوبة من روسيا للسلطات السورية لمحاربة المسلحين اعتمادا على تقييم الوضع في البلاد رأى لافروف أن ما يحدث في سورية الآن لعبة معقدة وقبيل وصوله إلى الدوحة مساء أمس الخميس قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مقابلة مع الصحافي الأميركي تاكر كارلسون إنه سيجتمع مع نظيريه التركي هاكان فيدان والإيراني عباس عراقجي في الدوحة وسيبحث معهما ضرورة العودة إلى التنفيذ الصارم لاتفاقات إدلب لأن منطقة خفض التصعيد بإدلب هي المكان الذي انتقل منه الإرهابيون للاستيلاء على حلب ورأى لافروف أن ما يحدث في سورية الآن لعبة معقدة مكررا نقل ما يشاع عن تدخلات أميركية وبريطانية وإسرائيلية وقال تشير المعلومات الموجودة في المجال العام على وجه الخصوص إلى الأميركيين والبريطانيين وغيرهم ويقول البعض إن لإسرائيل مصلحة في جعل الوضع أسوأ حتى لا يقع قطاع غزة تحت مثل هذه الاهتمام الدقيق هذه لعبة صعبة وهناك العديد من الجهات الفاعلة المعنية وآمل أن تساعد الاجتماعات على استقرار الوضع اجتماع أستانة وأعرب الوزير الروسي عن أمله في أن تساعد الاجتماعات ضمن صيغة أستانة المقررة غدا السبت في الدوحة القطرية واعتبر لافروف أن صيغة أستانة تعد رابطة مفيدة للمشاركين مشددا على أن الأساس هو مساعدة السوريين على التصالح فيما بينهم ومنع تصاعد التهديدات الانفصالية وذهبت تصريحات عدد من المسؤولين الروس إلى تحميل تدخل وتحريض الغرب مسؤولية تدهور الأوضاع والربط بين ما يجري في سورية والحرب في أوكرانيا لكن من دون أي نية على تدخل جدي حتى الآن على عكس ما كان الوضع عليه في 2015 وكانت روسيا قد بررت تدخلها العسكري في سورية بدءا من 30 سبتمبر أيلول 2015 بأنه ضروري لمحاربة الإرهابيين ومنع انهيار الدولة السورية ولاحقا انتهزت دعوة رئيس النظام بشار الأسد للمساعدة من أجل تثبيت وجود عسكري طويل الأمد في سورية عبر اتفاقات عسكرية مكنتها من توسيع قاعدتي حميميم وطرطوس ما يؤهلهما لتأدية دور أكبر بكثير من مجرد الإشراف على المصالحات وإدارة الأوضاع في سورية ويحولهما إلى نقطة ارتكاز لتحقيق مصالح روسيا في منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا واستطاعت روسيا باستخدام فائض القوة الكبير من فرض معادلات على الأرض لصالح النظام وداعميه وبعد إجبار المعارضة على مغادرة شرقي حلب في نهاية 2016 وعلى أنقاض مدينة حلب شرعت روسيا في شق مسار أستانة مع تركيا وإيران في مطلع 2017 الذي أقر مناطق خفض التصعيد الأربع في إدلب التي تبين لاحقا أنها كانت مرحلة انتقالية على طريق سيطرة النظام على كامل الجغرافيا السورية وتمكنت روسيا عبر التعاون مع القوى الإقليمية من تعطيل مسار الحلول الدولية المعتمدة على بيان جنيف والقرار 2254 واشتقت مسارا سياسيا اختصر في النهاية الأزمة في سورية بصوغ دستور جديد للبلاد من دون أي تقدم ازدادت التكهنات حول وجود تفاهمات روسية ـ تركية لإخراج إيران من سورية وطرح البرود الروسي في بداية هجوم المعارضة السورية في الأيام الأخيرة تساؤلات حول وجود تفاهمات مع تركيا لتحريك المسار السياسي وإجبار الأسد على التجاوب مع مبادرات التطبيع مع تركيا التي أطلقتها روسيا عبر لقاءات على مستوى وزراء الدفاع والخارجية بين البلدين ومع تقدم الهجوم والسيطرة على حلب من دون أن تحرك روسي قوي ازدادت التكهنات بوجود تفاهمات أوسع بين الطرفين لإخراج إيران من سورية ضمن تفاهمات إقليمية ودولية تنطلق من أن الوقت بات مناسبا لانكفاء الدور الإيراني في سورية والمنطقة عموما بعد الضربة الكبيرة لحزب الله وإضعاف بنية الوجود الإيراني في سورية تحت الضربات الإسرائيلية المتواصلة منذ سنوات وزيادة وتيرتها منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 ويصب خروج إيران في مصلحة روسيا فالنظام السوري استغل التنافس السياسي والاقتصادي بين موسكو وطهران للتهرب من تقديم أي تنازلات سياسية أو إصلاحات اقتصادية ومنذ عام 2020 تعرض نظام الأسد لحملة انتقادات قوية من قبل محللين وخبراء مقربين من الكرملين وزاد الامتعاض الروسي الإبطاء في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية ومنح إيران امتيازات على حساب روسيا وفي حال النجاح في إبعاد إيران لا يبقى للأسد أي مجال للمناورة وسيكون مجبرا على الانصياع أكثر لروسيا خصوصا أنه فشل في استغلال الانفتاح العربي عليه وظل على علاقة وطيدة مع إيران وصعد من عمليات تهريب الكبتاغون للدول العربية وبدا أن خيار الأسد النأي عن تدمير غزة وتدمير مقدرات حزب الله في لبنان لم يساعده في كسب ود الولايات المتحدة من بوابة إسرائيل مؤشرات صفقة روسية ـ تركية وبعد قرابة عشرة أيام على هجوم المعارضة السورية المباغت والسريع لم يعد من الممكن تجاهل احتمال وجود صفقة معينة بين الروس والأتراك ورغم اتهامات المعارضة السورية المتواصلة منذ سنوات للطيران الروسي بشن غارات لدعم النظام وتمكينه من تصفية مناطق وجودها لم تتعرض القواعد العسكرية الروسية ونقاط التفتيش والارتكاز الروسية لأي هجوم من المسلحين الذين يملكون طائرات مسيرة وصواريخ قادرة على ضرب قاعدة حميميم وفي المقابل فإن الدعم الروسي لقوات النظام ما زال محدودا جدا مقارنة بما قدمه في عامي 2016 و2017 ينتشر 7500 جندي روسي في سورية خصوصا في حميميم وطرطوس ويمكن تفسير تراجع الدعم إلى انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا وكذلك عدم وجود خطوط إمداد سريعة بعد إغلاق تركيا عبور السفن الروسية من البحر الأسود منذ ربيع 2022 وبلغ عدد الجنود الروس بسورية في منتصف العام الحالي حسب تقديرات تنطلق من حساب عدد المصوتين في الانتخابات قرابة 7500 عسكري يتولى جزء منهم حماية وتشغيل قاعدتي طرطوس وحميميم ومن بينهم قوات الشرطة العسكرية الروسية وبقايا مرتزقة فاغنر ممن قرروا البقاء في سورية ضمن مهمات لحماية حقول النفط والغاز وأعمال قتالية محدودة ووقعوا عقودا مع وزارة الدفاع بعد مقتل مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين في أغسطس آب 2023 بحادث تحطم طائرته لكن التقدم الروسي الكبير في أوكرانيا في الأشهر الأخيرة يسمح لموسكو بهامش إرسال جزء من القوات من دون التأثير على سير العمليات بشكل كبير في حال وجود إرادة لحماية الأسد ويجب عدم إهمال أنه رغم تراجع عدد الطائرات فإن الموجود في قاعدة حميميم ويقدر بأقل من عشرة كان كفيلا بأقل تقدير في إبطاء تقدم فصائل المعارضة السورية المسلحة وفيما تتجمع مؤشرات إلى احتمال وجود تفاهمات مع تركيا وربما أوسع بكثير حول هذه العملية فالأرجح أن لروسيا خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها أهمها عدم المساس بالوجود العسكري الروسي وتعريض سلامة مقاتليها ومواطنيها لأي خطر أو التعرض لمصالحها وحتى الآن التزمت المعارضة السورية المسلحة بعدم التعرض للمكونات الإثنية والطائفية بالأذى بل أرسلت تطمينات إلى مختلف المستويات وأنجزت صفقات حالت دون مواجهة عسكرية مباشرة مع هذه المكونات إلا أن أي أعمال للانتقام من المجازر السابقة التي ارتكبها النظام وشبيحته منذ انطلاق الثورة في مارس آذار 2011 قد تغير موقف روسيا جذريا التزام روسي بأمن إسرائيل ورغم إشارات محللين وخبراء مقربين من الكرملين إلى دور إسرائيلي في أحداث سورية فإن روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل بالكامل وتعد أي خروقات على جبهة الجولان خطا أحمر لا يمكن تجاوزه ومنذ انطلاق الهجوم تحدث مؤيدو النظام عن وعود روسيا بإرسال شحنات دعم في غضون 72 ساعة لكنها لم تصل ولا يوجد تأكيدات أو بيانات روسية حول هذا الدعم وجرى الحديث عن أن حماة خط أحمر جغرافيا يدفع روسيا للتدخل بقوة والآن الحديث يدور حول حمص بوصفها بوابة التوجه نحو منطقتين استراتيجيتين هما الساحل السوري الخزان البشري للنظام ومسقط رأس معظم القيادات العسكرية والأمنية التي ارتكبت فظائع بحق السوريين إضافة إلى منطقة القصير المتصلة بالهرمل اللبنانية حيث توجد قاعدة شعبية كبيرة لحزب الله الذي عمل من الأيام الأولى على دعم النظام وسيطر على القصير والقلمون من المؤكد أن روسيا تنطلق من ضرورة عدم انهيار النظام وهو ما تتوافق فيه مع القوى الإقليمية والدولية ولكنها قد تكون الطرف الوحيد القادر على إقناع الأسد أو إجباره على التخلي عن الحكم لمنع انهيار الدولة السورية لكن التساؤل يبقى حول ذهابها نحو تنفيذ عملي لتصريحاتها الكثيرة بأنها ليست متمسكة بالأسد وما هو المقابل لذلك