مجلس الأمن والفيتو الأميركي
كلّما ظنّ أحدنا أن حيّز المهازل قد تضاءل إلى حدّ كبير في المشهد اليومي العالمي، وأنه استُنزِف، ولم يعد فيه مزيد مفاجئ، أو أن بعض الحياء ما زال موجوداً ليمنع سقوطاً أخيراً قد لا تكون بعده عودة، إلا ونثوب إلى رشدنا، لنرى هذا الأمل مجرّد سرابٍ في صحراء الجدب الأخلاقي، الذي تتسع رقعته كلّ يوم. اختُصر هذا الإفلاس في كلمة ممثّلة الولايات المتحدة، دوروثي شيا، في مجلس الأمن الأربعاء الماضي، وقبيل عيد الأضحى بيومَين، في جلسة تصويت على مشروع قرار أممي يهدف إلى إنهاء الحرب على غزّة، نسفته مندوبة أميركا بفيتو رسّخ الحاجز المخيف الذي يفصل بعض زوايا ومقاعد مجلس أمن دولي عن باقي العالم، و يعطي ضوءاً أخضرَ لإسرائيل لتواصل حرباً لم تكن، من يوم قرّرتها، بحاجة إلى تزكية من أحد للاستمرار فيها، أو رفع منسوب وحشيتها، فاكتفت بين حين وآخر، ومن باب رفع بعض العتب، بإطلاق أسماء على عمليات تتخلّلها، أو إعلان أهداف جديدة تتبيّن للحكومة المتطرّفة أثناء ارتكاب جرائمها، وكلّه في إطار التسويف والابتزاز والتخويف والترهيب والترغيب والبيع والشراء، الذي طاول عمليات توزيع مساعدات غذائية موهومة، تكشّف أنها كانت صفقةً مع شركة أميركية، فيها توقيع عقود وأموال وأرباح، توزّع كراتين الغذاء والعلب، فيما يحصد القصف أرواح الجائعين وهم يهرولون للوصول إلى علبة تُلقى عليهم من مكان ما.
حرفياً وعملياً، قرّرت واشنطن، وهي تهدي الفيتو لإسرائيل، أن بؤساء غزّة الذين لم يحن أجلهم بعد، يستحقّون مزيداً من التجويع، بما أن مشروع القرار كان يأمل في تسهيل إدخال مزيد من الغذاء وبطرق أيسر، ويستحقّون القتل، لأنها قالت لنتنياهو (ببساطة) أن يستمرّ في حربه العبثية الدموية عليهم، وهو يستنبط أفكاراً شاذّةً جديدة للتنكيل بهم. صحيح أنه لا يوجد رجل وامرأة في السياسة عموماً، أو هكذا يراد ويروّج، إلى درجة أن بعض النساء فيها يتجاوزن حدود القسوة إلى قتل الضمير لإثبات جدارتهن، فإذا بالمندوبة شيا، بملامحها الجافّة وصوتها الروبوتي، تحوّل الحديث عن الحرب إلى مجرّدَ عملية سياسية تقنية لا هامش فيها
ارسال الخبر الى: