مجزرة الخيام في رفح كل العيون على صورة الذكاء الاصطناعي
٩٠ مشاهدة
لا تبدو صورة طفلة النابالم الفيتنامية كيم فوك فان ذات الأعوام التسعة أكثر وحشية من الصور الآتية من قطاع غزة ولا تحمل عنفا جسديا أو رمزيا أكبر ولعل الصور التي تتدفق يوميا من غزة تثبت أن مئات آلاف الأطفال يعيشون ذعرا يتطابق وذعر الفتاة الفيتنامية التي التهمت النيران الأميركية جسدها الصغير يقدم المحتوى الغزي المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي انعكاسا لقسوة الحرب وهمجية الاحتلال كاشفا أن تجليات الحضارة الإنسانية ما هي إلا قشور وما نحن إلا في خطوة على درب تطوير السلاح وأدوات الموت الصورة التي التقطها مراسل أسوشييتد برس نيك أوت الحائز بولتزر عام 1973 عن هذه الصورة في أثناء الحرب على فيتنام 1972 تظهر الطفلة تفر عارية باكية هاربة من قنابل النابالم الأميركية التي أحرقت قريتها وكذلك أجزاء كبيرة من جسدها لم يتطلب الأمر سوى أن تفرغ لها الصفحات الأولى من الصحف الكبرى حتى أصبحت أيقونة تجسد عنف الحرب ووحشيتها وجعلت الرأي العام ينتفض مناهضا للحرب على فيتنام طبعا كان الجميع يعلم أن فيتنام تعيش حربا إلا أن هذه الصورة كان من شأنها أن تجعل لمفاهيم الحرب والخطر والموت المجردة بعدا أكثر إنسانية أقرب من التصورات البشرية ولذلك استخدمت في تظاهرات طالبت الحكومة الأميركية بالانسحاب من فيتنام في المجزرة المروعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم رفح استشهد أكثر من 45 غزيا قتلوا حرقا في نيران الغارات الإسرائيلية التي التهمت خيامهم وأجسادهم تحمل صور هذه المذبحة تكثيفا للقسوة والوحشية ومولدا للغضب الجماهيري قد يفوق آلاف الكلمات عن بشاعة الحرب أدرك الغزيون بعد العدوان أن الصورة يمكن أن يكون لها سلطة توقف سيل الدماء النازف وربما هذا ما جعل بعضهم ينتقد الصورة التي لاقت رواجا كبيرا بعد إحراق المخيمات التي تحمل عبارة كل العيون على رفح All Eyes on Rafah في مبادرة للفت الأنظار إلى الجريمة الوحشية التي يرتكبها الاحتلال في مخيمات اللاجئين في مدينة رفح المتاخمة للحدود المصرية تظهر في الصورة كتل من الخيام الممتدة التي شكلت العبارة الداعية إلى مراقبة وحشية إسرائيل في عدوانها الذي بدأ منذ ثمانية أشهر ولم ينته عند إحراق الخيام في مذبحة اعتبرها بيان الأمم المتحدة أكثر فظائع الحرب قسوة أصبح قالب الستوري هذا الأكثر انتشارا وتداولا في تاريخ المنصة وعلى خلفية الصورة التضامنية جاءت دعوة مضادة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الصور الحقيقية الأكثر رعبا من تلك المولدة عبر الذكاء الاصطناعي التي تسطح المأساة وتبسط العدوان ومن شأنها أن تثير الرأي العام العالمي ضد الاحتلال السبب وراء انتشار الصورة بهذه السرعة والكثافة يعود إلى أنها لم يكتشفها نظام الرقابة في نوع من التحايل على خوارزميات ميتا التي تحجب المحتوى الذي يسلط الضوء على مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وتصنفه تحت بند العنيف والحساس لم يعد هناك مجال للشك في أن المحتوى الفلسطيني يعتم عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ففي التحديث الأخير لتطبيق إنستغرام التابع لشركة ميتا قيد عرض المحتوى السياسي على التطبيق وتوقف عن اقتراح هذا النوع من المحتوى لمن لا يتابع الحسابات التي تنتجه من غير المستغرب أن يكون هذا التحديث يستهدف مباشرة المحتوى الآتي من قطاع غزة ما جعل رواجه أمرا صعبا عدا إغلاق الحسابات المتضامنة مع غزة أعلت صور العدوان على قطاع غزة أفق المخيال البشري في تصوره لشناعة الحرب ومع ذلك فإن الصورة التي استخدمت على مواقع التواصل الاجتماعي للفت أنظار الجمهور إلى مدى بشاعة مذبحة رفح صورة مولدة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي لا مجال للشك في أن لاستخدام هذه الصورة مسوغاته وهو الدعوة إلى التضامن ولكن في انتشارها الذي تجاوز الـ50 مليون مشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي تفتح بابا للحديث عن تغييب الصور الحقيقية الآتية من غزة على حساب الصور المولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من شأن الانتشار الهائل للصور المولدة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي أن ينتج نوعا من المعرفة البديلة التي يخالطها الزيف والتلاعب وهي تعكر السردية الفلسطينية المتخمة بالصور المروعة الملتقطة في غزة بعد العدوان ومن شأنها أن تساهم في صناعة أرشيف فلسطيني مناهض للاستعمار يقرأ وفق عدة مستويات بادية ومستترة ولكنها تشير إلى أن ما يحدث في غزة دون أدنى شك تطهير عرقي وطمس لمعالم القطاع ولا بد لمحاولات طمس الفضاء الجغرافي الأكثر كثافة في العالم أن تترافق مع محو الصور والوثائق التي تنقل من غزة وتقدم للعالم ليشهد بأم عينه أشنع جرائم القرن وإن كان تغييب الصور ضربا من المستحيل فإن الاحتلال استخدم كل أدواته في التضليل فخلال الأشهر الأخيرة من الحرب غزت الصور المولدة عبر الذكاء الاصطناعي مواقع التواصل الاجتماعي الصور المضللة هذه وإن كانت تحمل في بعض الأحيان أشكالا للتضامن إلا أنها تزيف الواقع على الرغم من الجرعة العاطفية التعبيرية العالية فيها ما يحدث في قطاع غزة ليس صورا مولدة بالذكاء الاصطناعي وليس حربا مزيفة بل جثث متوارية تحت ركام الخيام المحروقة والمباني المهدمة فالذكاء الاصطناعي يفرغ الصورة من قيمتها الإنسانية ويشوه مفهوم الصورة الوثيقة إذ تخلق هذه الصور عالما غرافيكيا يحوي شخوصا غير حقيقيين ما يجعلها تفتقد روح الصورة وجوهرها أما محاولات تكذيب الصورة وتزييفها التي تمارسها سلطات الاحتلال فليست جديدة فما كان أمام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون حين رأى صورة فتاة النابالم إلا أن يشكك بمدى مصداقيتها لكن صورة كهذه تقطع الشك باليقين في ما تحمله من قسوة ومع محاولات نيكسون البائسة كانت اللقطة ذريعة لإيقاف حرب فيتنام التي كبدت أميركا خسائر كبيرة بالنسبة إلى غزة الأمر أكثر تعقيدا إنها حرب تنقل كمادة خام لشريحة عظمى من الجمهور ولكن من جهة أخرى فإن معطيات العصر والانتشار سلاح ذو حدين إذ يتلقف جمهور عريض من أنحاء العالم كافة المحتوى الذي يكثف المأساة الكبيرة ولكن القضايا الكبرى التي تتحول إلى مضامين على مواقع التواصل الاجتماعي معرضة للخمود والدفن تحت سيل من الصور ومقاطع الفيديو ذات المضامين المتنوعة في محاولات تغييب فيض الصور الآتية من غزة خلال الأشهر الثمانية الأخيرة خير دليل على محاولات التشويش على الرأي العام وإبعاد أنظاره عن الحرب وإن كان ولا بد من انتشار الصور فذهب الاحتلال الإسرائيلي إلى محاولات تزييفها أو تخفيف وطأتها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعيد إنتاج نسخة ملطفة عن المأساة من نافل القول إن العدوان على قطاع غزة يسري على أنساق مختلفة واحد منها بلا شك عدوان على الصورة وانتشارها ومصداقيتها في صورة طفلة النابالم لم يكن لنيكسون أدوات يدحض من خلالها مصداقية الصورة أما اليوم مع التدخل الهائل للزيف الذي ألحقه الذكاء الاصطناعي على الصورة فازدادت إمكانيات التشكيك ولا سيما أن الصورة المولدة عبر الذكاء الاصطناعي يسمح لها بالمرور عبر خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي التي تقيد انتشار الصور الحقيقية الصورة في العدوان على قطاع غزة تشكل الحكم ولهذا يدس بالصور المزيفة بين الصور الحقيقية يجوز القول إن ما وصل من غزة منذ بدء العدوان في أكتوبر تشرين الأول العام الماضي هو فيض من الصور دفع مصورو غزة ومواطنوها حياتهم من أجل التقاطها أو وضعوها على المحك أو بالأحرى فإن حياة أي مواطن غزي على المحك الكل ضحية والكل صحافي يصور لنقل حقيقة أنهم يعيشون تحت وطأة جلاد يزيف من الصور والفيديوهات لمصلحته من خلال استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لكي يكسب الرأي العام