مترو غولدوين ماير أسد الحلم الأميركي في قفص أمازون

٣٩ مشاهدة
لعل نهاية شركة مترو غولدوين ماير عملاق الإنتاج السينمائي الأميركي في النصف الأول من القرن العشرين والمعروفة بشعارها الشهير ذي الأسد الذي يزأر في وجه مشاهديه تشبه إلى حد ما نهاية شركة نوكيا الفنلندية للهواتف الذكية حين انهارت أمام التطورات التكنولوجية السريعة فاكتسحتها شركات مثل آبل وسامسونغ إلى أن استحوذت مايكروسوفت عليها في إبريل نيسان 2014 ربما تتشابه النهايتان لكن خاتمة مترو غولدوين ماير التي تمر هذه الأيام الذكرى المئوية الأولى لتأسيسها 17 إبريل من عام 1924 كانت أكثر دراماتيكية بالضبط كما يحلو للسينما أن تبالغ في رسم انفعالات أبطالها حتى رأينا نهاية أسدها الشهير ليو محبوسا في أقفاص بضائع أمازون بعد أن استحوذت الأخيرة عليها عام 2022 مقابل 8 5 مليارات دولار أميركي بموجب هذه الصفقة تمكنت أمازون من امتلاك أرشيف سينمائي ضخم يزيد عن ألفي فيلم من أهمها ذهب مع الريح وساحر أوز 1939 والغناء تحت المطر 1952 ودكتور زيفاغو 1965 وغيرها من أيقونات السينما العالمية إلى جانب إنتاجها الضخم في فيلم بن هور بنسختيه الصامتة عام 1925 والناطقة عام 1959 وهي النسخة التي فازت بعدد قياسي من جوائز أوسكار 11 جائزة في سابقة كانت الأولى من نوعها لم تتكرر إلا بعد عقود طويلة وتحديدا مع فيلمي تايتانك 1997 وسيد الخواتم عودة الملك 2003 لم تتمكن مترو غولدوين ماير من ترسيخ نفسها واحدة من اللاعبين الرئيسيين في صناعة السينما الأميركية خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي فحسب بل نافست شركات أكثر ضخامة مثل بارماونت وجاك وارنر لكنها تميزت أيضا بلمسة غامضة ما تشبه ملمس القطيفة الناعمة في خلفية المشهد المعروض على شاشة السينما مع مصدر غامض لضوء لا نراه يجعلنا نشعر بأن الشاشة تتألق حتى إن أعين النجوم هنا ليست كأعينهم في الأفلام التي تنتجها الشركات الأخرى نظرة سريعة إلى مشاهد ذهب مع الريح الرائقة حتى تشعرنا بالراحة وتأمل حركة الكاميرا وهي تستعرض رقصة جين كيلي في الغناء تحت المطر كفيلة بمنحنا الشعور بالقطرات نفسها التي تتساقط على سترته الأنيقة ثمة حلم أميركي كان يتشكل في سينما هذه المرحلة لكن المساهم الأكبر في بلورة هذا الحلم وتجسيده في العشرات من الأعمال السينمائية الأخرى كان بلا شك أفلام مترو غولدوين ماير بإنتاجها السينمائي الباذخ ومشاهدها السينمائية الحالمة وقائمة نجومها التي ضمت أساطير السينما آنذاك كلارك غيبل وفرانك سيناترا وفريد إستر وغاري غرانت وبول نيومان وسبنسر تريسي وجان هارلو وإليزابيث تايلور وغريتا غاربو وكاثرين هيبورن كتيبة ضخمة من ألمع نجوم السينما العالمية جسدت ونشرت أسطورة الحلم الأميركي الجديد أمام أعين ملايين المشاهدين حول العالم ما دفع الشركة إلى إطلاق شعارها المعروف عدد نجومنا يفوق ما في سماء الجنة الشعار نفسه الذي يرجعه كثيرون إلى العقل الحقيقي وراء مترو غولدوين ماير لويس بي ماير الذي كان مهاجرا يهوديا قادما من أوروبا الشرقية ولد لويس ماير عام 1885 في عائلة من المزارعين اليهود الأثرياء تعيش بالقرب من مينسك عاصمة بيلاروسيا حاليا ثم هاجر مع والديه إلى كندا وهو في الثالثة من عمره وحين بلغ الثامنة كان يكسب رزقه من بيع الخردوات مع والده على عربة يدوية يجرانها بصعوبة في الشوارع لكن الصبي الصغير المفتون بالحلم الأميركي والفرص الهائلة التي يوفرها للثراء السريع كان قد بدأ يحلم بعبور الحدود ليصل إلى أميركا حيث يؤمن بأنه سيصبح هناك الرجل الذي يطمح سرا إلى أن يكونه صاحب ثروة وسلطة باختصار عمل لويس ماير كل ما في استطاعته ليصبح رجلا أميركيا كامل الأهلية حتى إنه اختار تاريخ يوم الاستقلال الأميركي الرابع من يوليو تموز ليكون موعدا رسميا للاحتفال بميلاده كل عام عام 1907 قرر ماير عبور الحدود لينتقل مع عائلته إلى بوسطن وبعد شهور قليلة يفاجئ أسرته وهو في سن الثانية والعشرين بشراء مسرح مهجور وتحويله إلى قاعة للسينما وبحلول عام 1915 كان ماير قد جمع ما يكفي من المال نحو 50 ألف دولار لشراء حقوق توزيع الفيلم الصامت مولد أمة للمخرج الأميركي ديفيد غريفيث في جميع صالات نيو إنغلاند وبفضل النجاح الهائل الذي حققه الفيلم خاصة بعد الاحتجاجات التي تفجرت بسبب ما تضمنه من نظرة عنصرية ضد الأميركيين السود أصبح لويس بي ماير رجلا ثريا بالفعل بأرباح وصلت إلى 500 ألف دولار هنا سيبدأ فصل جديد في حياة ماير السينمائية خاصة بعد انتقاله على غرار غيره من الشركاء إلى ضاحية هوليوود الهادئة في لوس أنجليس التي يتمتع موقعها بالعديد من المزايا حيث مساحات زراعية شاسعة يمكن بناء استوديوهات حديثة عليها ومناخ معتدل أغلب شهور العام وتكلفة أقل بكثير من تلك الموجودة في نيويورك حيث يتم استئجار الاستوديو الواحد بمبالغ ترفع من فاتورة الإنتاج إلى هوليوود الصغيرة إذن حيث بدأت الاستوديوهات في النمو وازدحمت بعشرات الممثلين والممثلات الباحثين عن الشهرة نقل ماير شركته عام 1918 وأعاد تسميتها لتصبح لويس بي ماير للإنتاج Louis B Mayer Production وفي العام التالي وقع ماير عقد الاحتكار الأول في تاريخ السينما قاطبة حين وضع أمام الممثلة الأميركية أنيتا ستيوارت عقدا تمتلك شركته بموجبه حق احتكارها لسنوات وفي المقابل تحصل ستيوارت على نسبة مئوية من أرباح شباك التذاكر أو ما عرف لاحقا بمصطلح نظام الاستوديو في ذلك الوقت كانت عقود شركات الإنتاج السينمائية الأخرى لا توفر أي حماية للمنتجين ما كان يدفع العديد من نجوم السينما إلى ترك التصوير والبدء في أعمال أخرى وهو ما غيره لويس ماير بنظام الاحتكار الذي ابتدعه والذي شكل إطارا عاما حتى يومنا هذا لصناعة السينما حول العالم وفي الوقت الذي خضع فيه أغلب نجوم هوليوود لسياسات ماير الاحتكارية تلك كان هناك أيضا من تجرأ على الوقوف أمامه بقوة رفضا لعقوده المذلة وكانت عبارة غريتا غاربو الشهيرة لا بأس إذن سأعود إلى السويد أول صرخة رفض يقابلها ماير المعروف بصلفه وتعامله الشرس مع الممثلين لكنه استسلم أمام جميع الشروط التي وضعتها غاربو ما شجع زميلتها كاثرين هيبورن على التمرد لاحقا ولكن بشراسة أكبر في هوليوود أيضا التقى لويس ماير برجل الأعمال الأميركي ماركوس لوو الذي كان قد بدأ بتأسيس شركة إنتاج سينمائية باسم مترو بكتشرز Metro Pictures Corporation ثم استحوذ على Goldwyn Pictures التي كان يمتلكها رجل الأعمال سامويل غولدن ورغم هذا ظل لوو في حاجة إلى مدير للشركة يستطيع الإشراف على عملية الإنتاج خاصة مع توسع شركات إنتاجية أخرى مثل يونيفرسال استوديوز ومترو بكتشرز ولم يكن هناك أفضل من لويس بي ماير ليكون نائبا لرئيس الشركة هكذا إذن ولدت مترو غولدوين ماير المعروفة اختصارا بـMGM من خلال الاندماج بين الشركات الثلاث مترو بكتشرز وغولدن بكتشرز وشركة ماير الخاصة وسجلت رسميا في 17 إبريل من عام 1924 لترتقي سريعا إلى المركز الأول بين شركات الإنتاج الأميركية ولكن بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيسها أعلنت الشركة عن موت رئيسها ماركوس لوو ليصبح ماير الرئيس الفعلي لأكبر شركة إنتاج سينمائية في بيفرلي هيلز آنذاك ما إن تولى منصبه رئيسا لـMGM خلفا لسابقه حتى بدأ ماير بتدشين مرحلة جديدة من تاريخ الشركة ستتأكد ملامحها بعد سنوات خاصة مع انضمام العقل التجاري اللامع لإيرفينغ جي ثالبرغ الذي عين مدير إنتاج في MGM لعب هذا الشاب ذو الـ26 عاما دورا حاسما في النمو السريع للشركة خاصة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين حين حققت MGM أرباحا خيالية نتيجة توزيعها فقط لأفلام مثل طرزان من إنتاج شركة وارنر وساحر أوز وذهب مع الريح من إنتاجها وكلها من أوائل الأفلام الملونة في تاريخ السينما في جميع دور العرض الأميركية سنة بعد أخرى كان استبداد لويس ماير قد أصبح مرهقا للمحيطين به خاصة بعد تغلغل النغمة الأخلاقية في إنتاجات الشركة مثل سلسلة آندي هاردي التي امتدت إلى 16 فيلما وهي ترنيمة سينمائية مملة عن مجد العائلة الأميركية تفسر جوانب محافظة عديدة في شخصية ماير نفسه الذي أصبح واحدا من ركائز الحزب الجمهوري في كاليفورنيا بعدما ترأسه لمدة عشر سنوات تشير الكاتبة الأميركية ديانا ألتمان في كتابها اللافت شرق هوليوود لويس بي ماير وأصول نظام الاستوديو 2010 إلى أن ماير كان أحد أقوى الأصوات المؤيدة للسيناتور الأميركي جوزيف مكارثي وشارك في مطاردة الشيوعيين في هوليوود بل وطرد من شركته كل النجوم الذين حامت حولهم الشبهات ووفقا لألتمان كان عداء ماير لليبراليين لا يحتمل إلى حد أنه قرر حرمان ابنته الوحيدة من ميراثها فقط لأنها تزوجت من أحد رموز الحزب الديمقراطي على مدى 30 عاما تربع لويس بي ماير على عرش لوس أنجليس كأقوى رجل فيها قبل أن تبدأ أسطورته في التلاشي بحلول عام 1951 حين بدأ شركاؤه يختلفون معه حول نوعية الأفلام التي يريدونها إلى أن استطاعوا إقالته ومن ثم تحييده عن إدارة الشركة ليقضي السنوات الأخيرة من حياته في إثارة المؤامرات عبثا ضد الفريق الجديد في محاولة لاستعادة مجده القديم قبل أن يستسلم أمام سرطان الدم عام 1957 حينها كتب أحد الصحافيين بعد تشييع جنازته التي تميزت بحضور كثيف من أباطرة هوليوود قائلا الشيء الوحيد الذي يفسر ازدحام جنازته بكل هؤلاء هو أنهم جميعا جاؤوا فقط ليتأكدوا من موته بأنفسهم

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح