في مئوية إلغاء الخلافة مقاربة عبر التاريخ السابق للحكم العثماني
١٢١ مشاهدة
حفلت السنوات الثلاث الأخيرة بعدة مئويات متداخلة مئوية إلغاء السلطنة العثمانية في 2022 ومئوية معاهدة لوزان في 2023 ومئوية إلغاء الخلافة العثمانية في 2024 عقدت حولها ندوات وصدرت كتب حفلت بجديد سواء فيما يتعلق بالمعلومات الجديدة المستمدة من الأرشيفات والأوراق الشخصية لشخصيات كان لها دورها في الأحداث ومن ذلك يوميات أحمد عزت باشا العابد التي صدرت في 2019 بعنوان صندوق عبد الحميد الأسود أو المقاربات الجديدة لمسائل خلافية في صلب النظام العثماني ويختلف الأمر من لغة إلى لغة أو من منطقة إلى منطقة حيث إن السردية الشائعة في بعض البلدان راسخة ولا تحتمل المراجعة لاعتبارات عديدة تتعلق بالأنظمة التي خلفت الحكم العثماني وكذلك العلاقات السياسية بين الدول التي انبثقت عن الدولة العثمانية سواء فيما سمى الشرق الأدنى البلقان أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العالم العربي ومن ذلك تعبير الاستعمار العثماني الذي شاع في مصر وسورية في خمسينات وستينات القرن الماضي مع توتر العلاقات مع تركيا ولكنه كان مستهجنا في ليبيا وتونس والجزائر التي تعتبر أن الحكم العثماني خلصها من المصير الذي لاقته إمارة غرناطة عام 1492 في ما يتعلق بالبلقان كان للأيديولوجيات والأنظمة التي حكمت باسمها القومية والشيوعية دورها في ترسيخ سرديات رسمية عبر الكتب المدرسية عن الحكم العثماني فقد كانت الفكرة القومية تتمحور حول تضخيم بطل محلي مقابل عدو ظالم لتحرير البلاد واستقلالها وفق خريطة لا تنطبق على الواقع وتضم عادة قومية أو قوميات أخرى غير مرغوبة وبقيت هذه الفكرة حية حتى انبثاق العثمانية الجديدة التي أججتها أكثر ومع وصول الأحزاب الشيوعية إلى الحكم في دول البلقان جرى تطبيق تعسفي للمفاهيم الماركسية على العهد العثماني بوصفه نموذجا للنظام الإقطاعي والاستبداد الشرقي ومع أن ربيع أوربا الشرقية شمل دول البلقان ببركات الديمقراطية إلا أن صورة الحكم العثماني في الكتب المدرسية بقيت متفاوتة سواء في مضمونها أو في طريقة اعتمادها كثيرا ما ارتبطت صورة الحكم العثماني بالعلاقات مع تركيا ويلاحظ في صربيا واليونان أن الصورة النمطية تتغير أحيانا حسب العلاقات مع تركيا بينما نجد الصورة مختلفة في البوسنة المؤلفة من كيانين مختلفين بين الصرب والبشناق حيث نجدها سلبية في جمهورية الصرب وإيجابية أو أكثر موضوعية في فدرالية البشناق والكروات ومثل ذلك نجده بين الألبان في الجمهوريات المجاورة التي يعيشون فيها ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية وبالمقارنة مع البلاد العربية يختلف الأمر في البلقان لأنه كان الخزان الذي جاءت منه النخبة العسكرية والإدارية التي حكمت الدولة العثمانية خلال القرون الأولى حوالي 1450 1700 بواسطة نظام الدفشرمة جمع أو اختيار الشبان للخدمة العسكرية الإدارية في الدولة الذي كان العرب واليهود والأكراد والأتراك معفيين منه ففي سنوات التوتر مع تركيا بقيت صورة الدفشرمة سلبية للغاية باعتبارها ضريبة الدم التي تماثل الاسترقاق ولكن التغير الذي حصل في تركيا عام 2001 وانتهاج سياسة تصفير المشاكل مع الدول المجاورة أدى إلى اختراق في اليونان بعد تبادل الزيارات الرسمية والاتفاق على مراجعة كتب التاريخ فقد أثمر هذا مع وجود وزيرة التعليم المنفتحة مارييتا ياناكو 2004 2007 إصدار كتاب مدرسي جديد للتاريخ للصف السادس الابتدائي في 2006 يغطي تاريخ اليونان من 1453 إلى نهاية القرن العشرين ولكن هذا الكتاب جوبه بحملة كبيرة شاركت فيها الكنيسة والأوساط القومية اليمينية حتى تعرض للحرق في ساحة سينتاغما المعروفة في أثينا وقد انصبت الاعتراضات عليه من كونه يقلل من دور الكنيسة في حركة الاستقلال عن الدولة العثمانية ولا يصف الحكم العثماني بكونه عبودية ويقدم الدفشرمة بشكل مختلف عما زرع في أذهان أجيال من اليونانيين وقد دافعت الوزيرة عن الكتاب بقولها أنا أومن بالحقيقة في ما حدث في التاريخ ويجب ألا نروي للأطفال قصصا سحرية لكنها دفعت الثمن في انتخابات 2007 التي خسرت فيها مقعدها البرلماني ومنصبها الوزاري بينما عمد خلفها في الوزارة إلى سحب الكتاب فورا من التداول وقد تعرض لهذا المؤرخ البريطاني ديفيد برور D Brewer في كتابه اليونان القرون المخفية الحكم التركي من سقوط القسطنطينية إلى الاستقلال اليوناني الذي صدر في لندن عام 2010 وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب يقدم صورة أكثر موضوعية عن الحكم العثماني بالمقارنة مع ما هو موجود في اللغة اليونانية حيث يعتمد المؤلف على مقاربة جديدة للحكم العثماني تتمثل بمقارنته مع ما كان قبله حكم البندقية لليونان الذي همش الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية كما يميز بوضوح النصف الأول عن النصف الثاني من الحكم العثماني 1453 1821 مخالفا الصورة النمطية الشائعة التي لا تعرف سوى اللونين الأبيض والأسود وفي هذا السياق نجد صورة مختلفة أو أكثر موضوعية عن الدفشرمة حيث يذكر أنه مع وصول أحد أولاد الدفشرمة من اليونان إلى منصب الصدر الأعظم للسلطان سليمان القانوني إبراهيم باشا 1523 1536 لم يكن يجبر كل أولاد الدفشرمة على الذهاب إلى إسطنبول بل إنه في بعض الأحيان كان الآباء يقدمون برغبتهم ابنهم الأول وفي بعض الأحيان يقدمون ابنهم الثاني على أمل أن يرتقوا بنجاح ليكونوا مفيدين لأسرهم وأولادهم ص 270 صعد الألبان في الهرمية العثمانية بواسطة الدفشرمة وفي ألبانيا المجاورة لليونان التي انتشر الإسلام فيها خلال الحكم العثماني حتى أصبح يشمل غالبية السكان نجد أن مثل هذه المقاربة الجديدة المقارنة مع الحكم السابق تثمر صورة مختلفة تماما عن السردية التي كانت مفروضة على الجميع خلال الحكم الشيوعي 1945 1991 وليس من المستغرب أن يكون صاحب هذه المبادرة من الجيل الجديد من المؤرخين الذين درسوا في الخارج البرتغال وعادوا بمقاربة أكثر شمولية لتاريخ بلادهم ضمن السياق الأوروبي صحيح أن أرديان موهاي Adrian Muhaj درس التاريخ في جامعة تيرانا ولكنه درس الماجستير والدكتوراة في جامعة لشبونة وعاد إلى بلاده بمقاربة جديدة عن الحكم العثماني تبدت في عدة دراسات في المجلات العلمية الألبانية والأوروبية قبل أن ينشر معهد التاريخ في تيرانا عام 2019 كتابه من البلقان إلى المتوسط الألبان من القرون الوسطى إلى فجر العصر الحديث وعلى نمط المؤرخ البريطاني ديفيد برور في كتابه عن اليونان كان يكفي المؤرخ أرديان موهاي أن يقارن الحكم العثماني في ألبانيا بالحكم الذي سبقه حكم البندقية ليصل إلى مفارقة كبيرة بين الحكمين الحكم الكولونيالي الذي يستبعد تماما مشاركة السكان في الإدارة والحكم الإمبراطوري الاحتوائي الذي يقوم على مشاركة السكان في الإدارة وبواسطة الدفشرمة تمكن الألبان من الصعود في الهرمية العثمانية حتى كانت لهم أكبر حصة من الصدور العظام أكثر من ثلاثين كما خرجوا من القوقعة التي كانوا فيها في البلقان لينتشروا في عالم المتوسط خلال القرن السادس عشر ولاة وقباطنة وقادة عسكريين وقد استمر هذا الحضور الألباني في تزايد خصوصا مع بروز محمد علي باشا واليا على مصر في 1805 وتأسيس الأسرة العلوية الحاكمة التي اجتذبت الكثير من الألبان للعمل إلى حد أن الألبان في مصر قبل 1952 كانوا الجالية الخامسة من حيث العدد بعد الإيطاليين واليونانيين والفرنسيين والإنكليز كما زاد في تركيا بحدودها الحالية حتى أن عدد الألبان في تركيا الآن يكاد يتجاوز عدد الألبان في ألبانيا ذاتها كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري