مؤسسة هنداوي مبادرة ثقافية مرامها النهضة

٥٠ مشاهدة
لا نعلم بالضبط عدد المبادرات الثقافية العربية لكنها تكاد تناهز عدد المثقفين بخاصة بعد دخولنا زمن الإنترنت والبودكاست حيث يمكن تحويل أي خاطرة عابرة إلى مبادرة ليس مهما عند أصحابها إذا ما استمرت أم لا بل ربما كانت تبدأ وتنتهي قبل أن يدرك أصحابها السبب الذي دفعهم إليها فالمهم أن يبادروا من دون إدراك أن الشرط اللازم والكافي لأي مبادرة ثقافية جادة هي أن تعود إلى أصل المشكلة وأن تسعى إلى تبديدها أن تكون المبادرة بمثابة محو أمية ثقافية في هذا المجال أو ذاك من المجالات الثقافية المتشعبة وبعد انهيار المنظومات التعليمية والجامعات والمكتبات العامة وإغلاق معظم المجلات الثقافية والفنية الجادة ووقوع ما تبقى في غيبوبة أو موت سريري وبعد أن نفضت الحكومات أيديها عن الثقافة لصالح مشاريع ربحية أو استثمارية فالثقافة بطبيعتها بضاعة خاسرة كان لا بد للمنظمات الدولية من أن تحل محل الحكومات فسد بعض النقص من دون إغفال وطأة الأجندات المترافقة مع مبادرات المنظمات الدولية أكانت أممية أم غير حكومية ولكن معظم هذه المبادرات كانت تروم مشاريع فردية أكثر من تركيزها على نهضة ثقافية جمعية تستهدف نشر الكتب في المقام الأول لكونها الحامل الجوهري لأي نهضة ثقافية ربما باستثناء المشروع العظيم كتاب في جريدة الذي انطلق على دفعتين بتمويل من اليونسكو ثم توقف قبل عقدين ليتركنا في صحراء قاحلة لولا مبادرات فردية حاولت تجسير هذه الهوة القاتلة لعل أهمها مشروع الكتاب للجميع الذي أصدرته دار المدى لسنوات قليلة قبل أن يوأد المشروع من جديد ثم جاءت مؤسسة هنداوي عام 2007 وإن كان نشاطها الفعلي وشهرتها لم ينطلقا إلا قبيل الانتفاضات العربية عام 2010 بدا المشروع مبشرا منذ بدايته لأن أصحابه كانوا واعين تماما لأسباب المشروع وغاياته حين أتاحوا كتبا إلكترونية ومن ثم طبعات ورقية من عصر النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين كتب إلكترونية مجانية عبر موقع إلكتروني بتصميم سهل الاستخدام تختلف اختلافا شاسعا عن الكتب المقرصنة في كونها غير مقرصنة أولا وفي المراجعة الدورية لجميع تفاصيل الإصدارات ابتداء باختيار البنط الطباعي الأفضل وصولا إلى انتقاء العناوين ستجد أعمال طه حسين كاملة تقريبا جنبا إلى جنب مع عباس محمود العقاد والمنفلوطي ولكن القفزة الحقيقية بمعزل عن الأهمية البالغة لكتب النهضة كانت في التوجه إلى الكتب الأحدث بخاصة السلسلة الممتازة مقدمات قصيرة جدا التي تصدرها جامعة أكسفورد من دون تجاهل الأدب الراهن حين قدمت لنا أعمال الكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن تجاوزت العناوين المتاحة عبر موقعها الإلكتروني الـ3500 قامت مؤسسة هنداوي وفقا للقائمين عليها على شعار تهدف إلى نشر المعرفة والثقافة وغرس حب القراءة بين المتحدثين باللغة العربية ولعل أهمية وجمال هنداوي يكمن في أنها بخلاف مؤسسات ثقافية كثيرة اعتنقت الشعار بكل معانيه بحيث باتت المؤسسة أشبه بمكتبة عامة تكون عونا ومقصدا للراغبين بالقراءة منذ سن مبكرة لم تعد العناوين التي تجاوزت 3500 عنوان مقتصرة على كتب المجال العام التي لا حقوق لها أو الاكتفاء بكاتب راهن أوحد بل مدت اهتماماتها إلى جميع المشارب الثقافية أدبية وعلمية وفنية للكبار والصغار على السواء بحيث يمكن لنا القول من دون أدنى مبالغة إن الاكتفاء بكتب مؤسسة هنداوي ليس محض تأسيس ثقافي فحسب بل قد لا يضطر المرء إلى قراءة ما لا يوجد خارجها إلا لو شاء التنويع أو اكتشاف أسماء جديدة تضاعفت سلسلة الأعمال الكاملة لتشمل توفيق الحكيم ويوسف إدريس وصنع الله إبراهيم في الأدب وحسن حنفي ونصر حامد أبو زيد في الفلسفة والفكر ونوال السعداوي في النسوية ومحمود السعدني في الأدب الساخر وغالي شكري في النقد بل حتى فراس السواح وسيد القمني لهواة النوع ولعل الخطوة الأهم كانت الحصول على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ إلكترونيا كي ترحم القراء من الأسعار الكاوية للطبعات الورقية أما في الأدب العالمي فأتاحت المؤسسة معظم قصص الكاتبة الكندية البارزة أليس مونرو بعد أن نالت جائزة نوبل للآداب عام 2013 من دون إغفال جهد مترجمين عرب قدموا الكثير للمكتبة العربية ابتداء بأبو بكر يوسف الذي قدم معظم أعمال تشيخوف وبعض قصص أندريه بلاتونوف مرورا بعبد الغفار مكاوي وترجماته للفلسفة والمسرح الألمانيين ومحمد عناني وترجماته لشيكسبير وليس انتهاء بسمير جريس في الأدب الألماني الحديث والمعاصر وعبد المقصود عبد الكريم في الأدب الأميركي وميسرة عفيفي في الأدب الياباني تشجيع للكتاب والمترجمين كي يكونوا جزءا من المشروع وبالتوازي مع سلسلة مقدمات قصيرة جدا قدمت المؤسسة سلسلة كيف تقرأ التي تعنى بتقديم مداخل مهمة لعدد من أعظم فلاسفة العالم بيد أن الإضافة الأهم في السنتين الماضيتين كانت كتب الأطفال واليافعين حيث أتاحت المؤسسة قصصا بوليسية أجنبية أهمها مغامرات الأب براون للكاتب غ ك تشيسترتون إضافة إلى السلسلتين العربيتين الأشهر المغامرون الخمسة والشياطين الـ 13 التي ألفها محمود سالم ثمة مفاوضات من أجل تقديم كتاب ومترجمين آخرين في السنوات اللاحقة بحيث تتحقق لذة غرس حب القراءة حقا وصولا إلى نشر المعرفة والثقافة بخاصة حين يرتطم القارئ صدفة بمؤلفات نادرة مثل أعمال أبو خليل القباني ومارون النقاش من دون إغفال الترجمات المنتقاة بحرص وبراعة كبيرين من المترجم المصري الراحل شوقي جلال ليس الكم الهائل في أعداد الكتب ما يميز مؤسسة هنداوي عن غيرها من المبادرات والمؤسسات الثقافية العربية بل انتقالها الذكي من المبادرة إلى تشجيع واستقطاب الأسماء الأهم في الكتابة والترجمة بل لن يكون هذا الاستقطاب الغاية الوحيدة لـهنداوي إذ سيصبح هدفها الأكبر تحريض بذور الأحلام عند الكتاب والمترجمين الآخرين في أن يكونوا جزءا من هذا المشروع الذي لا نبالغ لو وصفناه بـالنهضوي لن يكون هدف اللاحقين الاجتماع بالسابقين بحيث يجاورون طه حسين ونجيب محفوظ وحسب بل أن يسهموا في هذه النهضة البديعة التي تقودها مؤسسة هنداوي بمحبة وكفاءة نادرتين كاتب ومترجم من سورية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح