مأساة هيروشيما عندما صار الموت سلعة في سوق الكبار

في مشهد ساخر يتقاطع فيه العبث بالسخرية، يُقدَّم مشهد تاجر يعرض القنابل والمتفجرات كما لو كانت مجرد بضائع في سوق مفتوح، وكأن الموت أصبح سلعة تُباع وتُشترى، وسط هذا الاستعراض الهزلي الأسود، يتلاعب التاجر بالكلمات، مسمّياً القنبلة بـالطفل الصغير، بينما يعلم الجميع أن هذه اللعبة المميتة على وشك أن تغيّر وجه العالم إلى الأبد.
تلك القنبلة، لم تكن سوى أول سلاح نووي يُستخدم في التاريخ، موجّهة إلى مدينة هيروشيما اليابانية صباح السادس من أغسطس عام 1945، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، وما تزال آثارها المشؤومة تطارد البشرية حتى اليوم.
المدينة التي لم تتوقع النهاية
في ذلك اليوم المشؤوم، أقلعت القاذفة الأمريكية إينولا غاي، تحمل معها قنبلة الطفل الصغير، التي ستحوّل مدينة هيروشيما، المسترخية في هدوء نسبي، إلى كرة من النار والجحيم، اعتقد سكان المدينة أنهم في مأمن، لا سيما مع شائعات عن وجود أقارب للرئيس الأمريكي هاري ترومان في المدينة، إلا أن الطمأنينة سرعان ما تبددت مع دوي الانفجار.
في تمام الساعة 8:15 صباحًا، أُلقيت القنبلة فوق مستشفى شيما، ليتحول النهار إلى ليل قاتم. ضوء مبهر أشد من الشمس، حرارة تفوق 3000 درجة مئوية، كرة نارية قطرها ربع كيلومتر، أحرقت البشر والحجر والنبات، وأبادت نحو 70 ألف شخص في ثوانٍ معدودة، أجساد تحوّلت إلى رماد، وظلال نووية تركها الضحايا على الجدران والأرض، شاهدة على الكارثة.
حاول الناجون، المصابون بالحروق، الهروب إلى الأنهار، لعلّ المياه تُخفّف من آلامهم، لكنها كانت مشتعلة هي الأخرى، كثيرون غرقوا، إما لعجزهم عن السباحة أو من شدة الإنهاك، لم تكد تمر نصف ساعة، حتى بدأ المطر الأسود يتساقط، محمّلاً بالرماد والجسيمات الإشعاعية، ليضيف إلى المأساة بعدًا آخر من الحروق والسموم والموت الصامت.
تحوّلت شوارع هيروشيما إلى مسرح رعب حقيقي، أجساد محترقة، وجوه مشوهة، أشخاص يرفعون أيديهم في الهواء خوفًا من ملامسة جروحهم المؤلمة، جثث تغطي الطرق والمياه، ومشهد يفوق أفلام الرعب بأشواط.
الصدمة والإنكار في طوكيو
في
ارسال الخبر الى: