عن مأرب التي لا ترى

59 مشاهدة

يتبدّل وجه المدينة كلّ يوم، تمتدّ الأعمدة وتُشيّد البنايات، تتغيّر ملامحها وتتسع رقعتها على نحوٍ واضح. وعلى بُعد كيلومترات قليلة فقط، ثمّة اتساع آخر، لكنه مختلف تمامًا، حيث تُنصب خيام جديدة، وتُرمّم الكرفانات المُتهالكة، ويعيش أناسٌ معزولون عن الخارج، الخارج الذي لا يبعد سوى بضع كيلومترات، لكنه يبدو وكأنّه عالم آخر لا يُذكر إلا في التقارير الإخبارية.

في الهامش الذي لا تراه الحكومة، ولا تلتفت إليه المكوّنات المحلية أو الدولية، يعيش نازحون من شتّى مناطق اليمن في أطراف مأرب. أناس لا يُذكرون إلا في تقارير المنظمات الإغاثية، ولا يُستحضرون إلا حين يُراد تسويغ غاية أو تمرير مشروع. مأرب هنا ليست مدينة مزدوجة الملامح فحسب، بل مرآة لبلد ينقسم بين مركزٍ يزداد صخبًا وهامش يزداد صمتًا.

وحين تطأ قدماك مخيّمات النزوح في مأرب، تمتدّ أمامك مساحات شاسعة بلون واحد، تختزن وجعًا غير مرئي. آلاف العائلات التي تركت بيوتها كي تنجو من سطوة الحرب، حاملةً معها سنوات من التعب والكفاح، وجدت نفسها اليوم داخل خيام وحاويات تتناوب عليها الرياح والغبار، وكأنّها عقوبة أخرى لا تسترها أكوام الطرابيل (أغطية وسواتر).

مركزٍ يزداد صخبًا وهامش يزداد صمتًا

في غياب الدولة، تحضر المنظمات بإمكانات محدودة وتمويل شحيح، لا سيما في الوقت الراهن، فتتزاحم في رأسك الأسئلة: ماذا لو لم تكن هذه المنظمات موجودة؟ هل كانت الدولة أو ما تبقّى منها ستتولى رعاية هؤلاء؟ هل كانت ستؤمّن لهم حياة تكفيهم الركض المستمر والوقوف الطويل في طوابير الإغاثة؟

أسئلة لا تبحث عن إجابة بقدر ما تكشف هشاشة البنية التي يُفترض أن تعمل على حماية الناس، لتذكّرك بأنّ كلّ مدينة يمنية إن لم تتواجد فيها المخيمات، ستتشابه بالمآسي، وإن اختلفت المسمّيات.

تجوب بين خيمة وأخرى، ومن حاوية من الزنك إلى شبكٍ من الحديد، لتلتقي نظراتٍ تسألك بصمت: ماذا ستقدّم لنا وأنت تحصي عدد مرّات نزوحنا؟ ما الذي يساوي كلّ هذه السنوات المهدورة في النزوح المتكرّر والبحث عن الكفاف؟

تتجلّى المفارقات أمامك بوضوح مؤلم، شكل الدولة ما يزال حاضرًا

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح