مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركيا وعربيا

٢٣ مشاهدة
دعونا نلخص بنظرة اقتصادية كلية الآثار المتوقعة لسياسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الاقتصاد الأميركي ومن ثم نسعى لقراءة آثار تلك الآثار الأميركية على الاقتصاد العالمي وبعض الاقتصادات العربية وحسب ما يتناوله الخبراء الاقتصاديون سواء من يعمل من هؤلاء أساتذة في كبار الجامعات أو مستشارين في كبار المؤسسات الاقتصادية العالمية وبحسب ما أعلنه الرئيس ترامب نفسه إبان حملته الانتخابية دعونا نر ما الحصيلة التي سنخرج بها أولا إن سياسة ترامب تدعو إلى التخلص من العمالة غير الشرعية التي تسللت إلى الولايات المتحدة وإلى فكرة الحد من تلك الهجرة والهدف من ذلك هو توفير فرص العمل للأميركيين ولقد كان من أسباب نجاح سياسة الرئيس بايدن للحد من معدلات التضخم في سوق العمل هو فتح باب الهجرة مما وضع سقفا على ارتفاع الأجور في الوقت الذي نادت فيه نقابات العمال بضرورة رفعها لأن مستوى تكاليف المعيشة الذي ارتفع إبان فترة كوفيد 19 ومن بعدها حرب أوكرانيا أضر بالعمال ولذلك فإن سياسة ترامب بمنع الهجرة ستؤدي حكما إلى رفع الأجور وزيادة كلف الإنتاج على الاقتصاد الأميركي وهذه ستشكل ضغطا مقصودا على مستوى الأسعار ثانيا أما بالنسبة للموازنة فإن الرئيس الأميركي المنتخب يريد أن يحفز الاقتصاد عن طريق برنامج موسع لخفض الضرائب على أرباح الشركات بنسبة قد تصل إلى عشر نقاط مئوية وأن يمنح الشركات التي تقرر إعادة مصانعها إلى الولايات المتحدة خفضا بنسبة تصل إلى 15 ويريد كذلك إلغاء الضرائب على مصادر الدخل غير الأساسية مثل الوقت الإضافي والبقشيش وغيرها وحتى يعوض بعضا من هذه الخسائر فسيقوم برفع نسبة الجمارك على المستوردات من الصين بنسب قد تصل إلى 60 ومن أوروبا بنسب ما بين 10 و20 ومن المكسيك إن لم تتجاوب مع متطلباته والتعاون معه في منع الهجرة غير المشروعة بنسبة يهدد أن يوصلها إلى 100 وإذا قيمنا مقدار الإيرادات التي ستخسرها الحكومة بسبب إعفاءاته الضريبية على الدخل والأرباح فإنها ستفوق كثيرا مقدار الإيرادات التي سيكسبها من رفع التعرفة الجمركية على المستوردات والأهم من ذلك أن الأغنياء هم الذين سيحصلون على النصيب الأوفر من الإعفاءات مقابل الإعفاءات على الوقت الإضافي والبقشيش والتي لا يخضع معظم أصحابها للضريبة المباشرة أصلا أو أنهم يدفعون نسبا منخفضة مما يجعل فائدتهم من التخفيضات المقترحة قليلة ويقول الاقتصاديون إن هذه السياسات ربما تساهم في زيادة فرص العمل داخل الولايات المتحدة ولكنها كلها تعتمد على سياسة التمويل بالعجز في الموازنة أو ما يسمى باللغة الإنجليزية Deficit Financing والذي يحقق الفوائد في المدى القصير لدولة تطبع العملة متى تشاء ولكن في المدى الطويل فإن هذه السياسة تضخمية وهكذا فإن الفوائد التي ستجنيها الشركات الإنتاجية من هذه السياسات ستملي مستقبلا على البنك الفيدرالي الاحتياطي رفع أسعار الفائدة مما يسبب خسائر للمستثمرين في الأسواق المالية والبورصات مثل البنوك والشركات المالية وصناديق التحوط أو ما يسمى Hedge Funds ولذلك فإن التضخم وضغوطه سوف تزداد ثالثا من أجل التحكم في أسعار النفط سيقوم الرئيس الأميركي المنتخب بالسماح بمد الأنابيب والتوسع في الاستكشاف واستخراج النفط الذي اعتبر متناقضا مع الاتفاقات البيئية والمناخية التي قام الرئيس بعدم المشاركة فيها أو بالخروج منها فهل سيقوم في الوقت نفسه بالتقليل من الاستيراد أم بالدخول مصدرا للنفط ولكنه في المقابل يريد أن يفرض عقوبات اقتصادية إضافية على إيران وفنزويلا وصادراتهما النفطية وربما على روسيا ما قد يكون له أثر على رفع سعر النفط من ناحية وزيادة التهريب للنفط من هذه الدول وإذا تماسكت مجموعة OPEC وقللت إنتاجها فسيؤدي ذلك إلى زيادة أسعار النفط داخل الولايات المتحدة وخارجها رابعا إذا كانت الضغوط الناجمة عن عجز الموازنة وسوق العمل وأسواق المال تشد الأمور نحو مزيد من التضخم الناتج عن زيادة التكاليف وارتفاع الطلب في المدى القصير داخل السوق الحقيقي السلع والخدمات فإن المواطن الأميركي سيلمس هذه الآثار التضخمية ولكنه في العام الأول قد لا يجد أنها مرتفعة إلا إذا أحدثت بعض الخلل في الأداء الاقتصادي ويرصد بعض الاقتصاديين الخلل الممكن في الأمور التالية أولا إن ارتفاع الأجور قد يجعل الرغبة لدى المنتجين أعلى باتجاه استخدام الذكاء الاصطناعي ما سيخلق طلبا على بعض المهن الحقيقية عالية المستوى ولكنه سيحدث إخلالا مكان العمالة الإنسانية Automation أو استبدال الإنسان بالروبوتس ثانيا إن نجاح السياسة الأميركية الجديدة خاصة المالية يعتمد إلى حد كبير على نجاح السياسة النقدية في الحفاظ على سعر تبادل الدولار قويا بفعل قوة الطلب عليه إما للتبادل أو كمخزون آمن للقيمة ولكن إذا بدأت بعض الدول تدريجيا بالتخوف من أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى رفع نسبة التضخم وحتى إن بعض الاقتصاديين يخشون من عودة ظاهرة الكساد التضخمي كما حصل بعد رفع أسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي أقول إن بعض الدول والحالة هذه ستركز أكثر على البحث عن ملاذات استثمارية آمنة كالذهب وبعض الدول بدأت تتخلى في تعاملاتها عن استخدام الدولار مقياسا للقيمة أو وسيلة للتبادل وتسديد الالتزامات إذا بدأ الشك يتغلغل في صمود الدولار فإن هذا سيؤدي إلى خلخلة كبيرة في قدرة الولايات المتحدة على تبني سياسة التوسع في الدين العام وإلى نجاعة سياساتها في استخدام التمويل بالعجز لتصحيح الاقتصاد أو إعادة هيكلته ثالثا إن الاحتمالية من أن تحصل مواجهة بين إدارة الرئيس ترامب القادمة ورغبتها في إبقاء سعر الفائدة متدنيا ربما تصطدم بإصرار بنك الاحتياط الفيدرالي على استخدام سعر الفائدة وسيلة ناجعة للحد من التضخم في هذه الحالة فإن مثل هذا الصراع والتناقض بين السياسة المالية والسياسة النقدية ستزداد وتيرته حدة وقد تثير الفزع لدى المستثمرين وخاصة صناديق التقاعد التي تشكل أحد المصادر الأساسية للاستثمار في الأسواق المالية الوضع الذي قدمه الاقتصادي البريطاني بول اورميرود في كتابه موت الاقتصاد أو The Death of Economics المنشور عام 1994 يصف الحالة التي ستؤول إليها الأمور لو طبقت سياسات الرئيس ترامب بحذافيرها وبدون معارضة وهي أن النموذج الرأسمالي المنسوخ عن أفكار الاقتصادي المحافظ النيو كلاسيكي ميلتون فريدمان ومدرسة شيكاغو الاقتصادية والتي يتبناها الرئيس ترامب سيحدث خللا كبيرا في توزيع الثروة والدخل في العالم وإلى تراجع الطبقة المتوسطة وارتفاع نسب الجريمة والفقر والبطالة ولكن هناك من يقول إن الرجل يساوم وإن بعض الاقتصاديين المحافظين المقربين منه لن يدعوه عند التطبيق يمارس كامل حريته في تنفيذ سياساته بحذافيرها كما وعد في حملته الانتخابية والسبب هو أن برنامجه في استعادة عظمة أميركا أو ما سمي بحركة MAGA يريد زيادة الإنتاج والاعتماد على الذات وبناء القوة والتفوق على الأعداء والميل للانعزالية وهذه ستؤدي إلى تراجع الأسواق المالية والاستثمار في الأسهم والبورصات التكنولوجية وكلا الجانبين الأسهم والبورصات والقطاع المالي من ناحية والشركات الصناعية والنفطية والدفاعية من ناحية أخرى قد تتصادم مصالحهما علما أن كليهما دعم الرئيس ترامب مما سيفرض عليه أن يقلل من اندفاعه لتطبيق السياسات التي دعا إليها وتجعله في موقف المساوم سعيا للتوفيق بين الطرفين أما الدول الخليجية العربية فلها تناقضات مع الرئيس ترامب من حيث سياساته النفطية التي قد يضغط عليها ليبقي أسعار النفط منخفضة مما سيؤثر في برامجها في التنويع الاقتصادي والانطلاق نحو مرحلة ما بعد النفط والثانية هي رغبته ولربما ضغوطه على الدول الخليجية لكي تقلل من تعاملاتها وتنسيقها مع كل من روسيا العضو الرئيسي بتحالف أوبك والصين أكبر شريك تجاري لهذه الدول ولذا فالأمر يقتضي الانتباه أما بالنسبة للدول الحليفة لأميركا والمصدرة لها والمستفيدة من مساعداتها الخارجية واتفاقات التجارة الحرة معها فستبقى مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة شريطة ألا يقلل من المساعدات أو أن يرفع التعرفة الجمركية على صادراتها إلى أميركا وأهم هذه الدول هي الأردن والمغرب وإلى حد أقل مصر ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هل سيضغط الرئيس ترامب واقتصاديوه ووزراؤه على مؤسسات اقتصادية مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لكي يغيرا النموذج الاقتصادي المطبق حاليا وهو الأقرب للنموذج الكينزي واستبداله بنموذج ميلتون فريدمان الذي يدعو لتقليل دور الحكومات وحجمها وخفض الضرائب والتقليل من التدخل في عمل الأسواق هذه بعض التحديات والأيام ستكشف إلى أين الأمور ستؤول والمهم هل يستطيع ترامب إنهاء الحروب كما وعد وبأي ثمن وبالضغط على من

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح