ليمونوف القصة بيوغرافيا تقبض على حياة آخر المسكونين

٥٣ مشاهدة
لعل بيوغرافيا الشخصيات التاريخية أكثر الأنواع السينمائية التي عرفت تنميطا بفعل سعي الاستديوهات الكبرى إلى الركمجة على ربحيتها العالية والإقبال الذي تعرفه في الصالات أغلب أعمال السنوات الأخيرة استعراض محطات من حياة شخصية مع دراما مفتعلة وإيقاع مرتبك يقول أشياء كثيرة في حيز ضيق لينتهي الفيلم بإغفال الأساسي أن يحكي الإنسان وراء الفنان أو السياسي يقتبس الروسي كيريل سيريبرينيكوف في ليمونوف القصة المشارك في مسابقة الدورة الـ77 14 ـ 25 مايو أيار 2024 لمهرجان كان السينمائي مؤلف الفرنسي إيمانويل كارير ليمونوف جائزة رونودو الأدبية 2011 سرد روائي يرتكز على تحقيق صحافي معمق في حياة الكاتب السوفييتي إدوارد ليمونوف 1943 ـ 2020 الذي غدا فرنسيا ثم معارضا سياسيا روسيا أنشأ الحزب الوطني البولشفي 1993 ذا الميول الفاشية حياة فوضوية وصاخبة يبرع سيريبرينيكوف في القبض عليها لأنه بالضبط يغمض عينا على القصة ليرينا العالم بعيني شاعر شاب هو نفسه كاتب مثير للجدل وسياسي معارض من دون أن يحس بضرورة الحكم على اختياراته مرد تفوقه قدرته برهنت عليها أفلامه السابقة على استثمار الفضاء سينمائيا لالتقاط الفوضى الداخلية للشخصيات ولجمالية بمثابة زوبعة في جمجمة يسعى ليمونوف إلى فرض نفسه شاعرا في خاركيف التي أمضى طفولته فيها ويخلص إلى أن المدينة وأهلها أضيق من استيعابهم طاقته وبدل ذهابه إلى موسكو كما يقرر يدفع إلى الهجرة إلى نيويورك عام 1974 حيث ينشأ لقاء شديد الانفجارية بين جموحه الفائق ومدينة عارمة الآفاق وحيث يمكن للآمال والرغبات أن تتحقق لكنه يكتشف سريعا الوجه الآخر القبيح لليبرالية الأميركية عندما لا تكفيه الإعانة الخاصة به بوصفه كاتبا محتفى به في الغرب فيدفع ثمن مبيته في فندق رث يرفض الناشرون إصدار رواياته بحجة أنها مفرطة في التشاؤم حول نموذج العيش الأميركي في مشهد ملهم يقاربه المخرج بغمزة ذكية لـسائق التاكسي 1976 لمارتن سكورسيزي في ثقافة المطالبة بالحقوق المدنية يجد ليمونوف ضالته لكنه لا يوافق على سلميتها في مشهد لقائه سيدتين من حركة مطالبة بالحقوق المدنية للأقليات والنضال من أجل المستضعفين في فلسطين وغيرها من الأقطار فيعرب لهما عن اهتمامه بالانضمام إليهما تمدان له مطوية عن أنشطة الحركة فيقول لست بحاجة إلى هذا ماذا تنويان فعله تجيبان أن نشاطهما يقتصر على التظاهر فيصرخ فيهما أن شيئا آخر غير التظاهر ينبغي فعله إزاء ما يحدث في العالم ثم يرمي المطوية في حاوية نفايات معدنية ويحمل الأخيرة مهشما بها واجهة زجاجية لمبنى مجاور وازع أناركي عميق عبر عنه سيريبرينيكوف بوصف ليمينوف بـجوكر روسي يمتزج بشخصية رومانسية تنعكس في علاقة اندماجية انتهاكية ككل ما يتعلق بليمونوف مع عارضة الأزياء لينا فيكتوريا موريشريشنكو ومشاهد الحب المحمومة الجامعة بينهما المحصلة شخصية بالغة التعقيد يختلط فيها البلطجي بالمرتزق ومن بلا مأوى بالناشط السياسي والخادم في منزل ثري أميركي لكن السيناريو المخرج متعاونا مع بافيل بافليكوفسكي وبن هوبكنز بدل نزوعه إلى حيلة كفعلة تود هاينز في أنا لست هناك 2007 مانحا كل وجه من شخصية بوب ديلان إلى ممثل ـ ممثلة مختلف اعتمد على عبقرية تشخيص الممثل البريطاني بن ويشو وحربائيته لسبر جنون ليمونوف وتقلبه بين مواقف وهويات سياسية وجنسية هناك أيضا نزعة كلبية جذابة تعكسها ردوده غير المتوقعة على مناوئيه كمشهد سيدة تواجهه عند عودته إلى روسيا نهاية الثمانينيات الماضية بعد غياب طويل لتوقيع كتب له بحقيقة أن المواقف التي يعبر عنها في كتبه تؤلم قلبها فيجيبها بجفاء أن شأن قلبها لا يهمه شخصية زئبقية دائمة الحركة تمقت الامتثال يرافقها الفيلم بإيقاع مرتفع يبلغ أوجه في لقطات متتابعة بكاميرا ستيدي كام على ليمونوف في تجوله وسط ديكور يحاكي التنصيبات الفنية يعبر عن محطات تاريخية كلوحة القبلة الشهيرة بين بريجنيف وهونيكر في برلين 1979 يبعثر الفيلم مسار الحكي خائنا الخطية ويبقى وفيا لحقيقة شخصية استثنائية تتجاوز مفهوم الزمان والمكان مفتاح ذلك نفس فصلي يقارب ليمونوف من وجهة نظر ثيمة معينة الحرب الحب بعد كتابة هذه الكلمات على الشاشة بمزيج من خط البروباغاندا الروسية وفن اللصق لعل أجمل ما في الفيلم شبه إقرار بالفشل في الإحاطة بجوانب حياة معقدة عند وصوله مرهقا إلى الفصل النهائي لحياة فيظن أن سنوات السجن ستنتهي بكسره لكنه يرفض عرض احتواء من مبعوث رسمي يتمثل بوظيفة رسمية لقاء أجر كبير وسط خلفية ثلجية وهذا قبل أن يخطو خارج الطريق ثم يحمل قضيبا حديديا يضرب به أرضا مجمدة لكن بالكاد يبدو أثر الضربات عليها إحالة ذكية ومزدوجة إلى أن الشخصية لم تفقد شيئا من اهتياجها الوجودي وأن سعيها شبه تجريدي في عالم قاس لم يخلق لتلبية رغباتنا ألبير كامو توفي ليمونوف قبل اجتياح روسيا أوكرانيا 24 فبراير شباط 2022 لكن اللوحات الختامية لفيلمه تقول إنه أيد وساهم في ضم شبه جزيرة القرم وسيلة الفيلم ترك المشاهد بطعم مضارع في فمه بعد وجبة سميكة من الماضي شيء لا ينفيه الاقتباس الافتتاحي من أدب الكاتب الروسي سوى ليؤكده أكثر في مخيلتنا أنا الماضي لا يستطيع الماضي تقديم النصح للحاضر هذه خاصية أفلام كبرى تضيء الحاضر بمصباح ما مضى ملقية ضوءا جديدا على ما نعيشه من وقائع ليمونوف القصة فيلم كبير ربما يشكل محطة بارزة في تاريخ أفلام البيوغرافيا تنفض عنها غبار الإثارة السهلة والوصفات الجاهزة وتنير أمامها طريق التفرد والإبداع

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح