ليست خيبة واحدة وحسب
يظلّ المرء أحياناً أسيراً لمشاعر متشابكة لا يعرف لها حدوداً واضحةً، ولا يجد لها تفسيراً إلا في صمت الذات ومساءلات القلب. الثقة، تلك الهبة الدقيقة التي يمنحها المرء من دون قيد أو تحفّظ، تحمل في طياتها كل جمال العلاقة الإنسانية، وكل خطر الانكسار المفاجئ.
حين يفتح المرء قلبه ويمنح الآخر امتداد وجوده الداخلي بلا تحفّظ، لا يكون ذلك الامتداد مجرّد مساحة من العاطفة، بل هو رقعة عرضة للخطر، مساحة تتربّص بها خيبات محتملة لا يراها إلا من اختبرها بعين اليقين. الإنسان بطبيعته كائن يتوق إلى الأمان النفسي، يبحث عمَّن يثق فيه ليخفّف عنه وطأة الوحدة، ويشارك معه فرحاته الصغيرة كبيرة الأحلام، لكنّه في الوقت ذاته يحمل خوفاً عميقاً من الخذلان.
ليست الخيانة حدثاً عابراً، بل هي لحظة مركّبة من خيبة الثقة، ومفاجأة الروح بما لم يكن في الحسبان. فهي تأتي غالباً من مكان كان يظنّه المرء مقدّساً، من قلب منحته الحرية بلا شروط، ومن عقل أطمأن إلى وعودٍ لم يصدّق أنها يمكن أن تتبدّد.
تتعدّد وجوه الخيانة، وتختلف تفاصيلها، لكنّها جميعها تتشارك عنصراً واحداً: المسافة بين الثقة والواقع.
كلّما كانت الثقة أكبر، كان الانكسار أكثر عمقاً، وحمل المرء ألماً أثقل. وفي هذا الامتداد من الثقة، يُولد الألم الكبير، الألم الذي يترك أثره في الذاكرة، ويعيد تشكيل تصوراتنا عن البشر وعن أنفسنا. المرء، بعد تجربة الخذلان، لا يعود نفسه السابقة، بل يصبح أكثر حذراً، وأكثر قدرة على قراءة نيّات الآخرين، وأحياناً أكثر وحدةً في عالم يبدو، من زاوية الخيبة، أقربَ إلى الفجوة التي خلّفتها الثقة المهدورة.
على الرغم من هذه التجارب، تبقى الثقة قيمةً لا يمكن استبدالها. هي ليست مجرّد فعل من أفعال الحياة، بل هي لغة الروح وجسر يمتدّ بين القلوب، مهما عُرض لهذا الجسر من الانكسار. فالثقة، حتى حين تؤدّي إلى خيبة، تعلمنا شيئاً عميقاً عن طبيعة البشر وعن طبيعتنا نحن؛ عن هشاشتنا، وعن شجاعتنا، وعن قدرتنا على البقاء رغم التجارب المؤلمة. تلك الدروس، مهما كانت مرارتها، تمنحنا فرصة
ارسال الخبر الى: