قال لي الجنرال
حين جلست أمامه في شمال شرق سورية لمرتين متتاليتين، كان المكان صامتاً إلا من صوته الحازم ونظراته التي تخترق التفاصيل، كأن الزمن كله ينتظر أن يسمع ما سيقوله....
قال لي الجنرال مظلوم عبدي كلاماً لم يكن عادياً، بل حديثاً عن وطن يتشكل من رماد الحرب وأشلاء الخرائط الممزقة، وطن يُراد له أن يكون مختلفاً، عادلاً، جامعاً، متحرراً من عقد المركزية والطغيان والتهميش.
لم يكن الجنرال يتحدث عن نصر عسكري أو حدود نفوذ، بل عن فكرة... عن سورية الجديدة، سورية التي ستولد بعد سقوط نظام بشار الأسد. لم يكن متفائلاً على طريقة السياسيين الذين يبيعون الأحلام الجاهزة، بل كان واقعياً لكنه حالم بطريقة المقاتلين الذين دفعوا ثمن الحلم بالدم والعرق والخسارات. قال لي: لن تكون سورية بعد الأسد كما كانت قبله، ولن نعود إلى بلد يُدار بعقلية الإقصاء، حيث تُختزل الدولة بشخص، ويُختزل الشعب بحزب، وتُختزل الحرية بالخوف...!
سألته إن كان يؤمن بإمكانية بناء دولة وطنية في سورية متعددة الأعراق والمذاهب، فابتسم وقال: نحن لا نحلم بذلك فقط، نحن نعيش هذا النموذج هنا في شمال وشرق سورية. نُجربه، نختبره، وندفع ثمنه يومياً... نحن نقاتل من أجل هذا المعنى، لا من أجل علم أو كرسي، وتابع حديثه قائلاً: إن التنوع في سورية يجب أن يتحول من مصدر للتوتر إلى مصدر للقوة، وإن من يخطط لمستقبل سورية عليه أن يفهم أن زمن القهر المركزي وفرض الهوية الواحدة قد انتهى.
كان حديث الجنرال مظلوم عبدي يخرج من قلب التجربة الميدانية، من خنادق القتال ومن جلسات الحوار ومن الاجتماعات التي جمعته بمختلف المكونات السورية. لم يكن يتحدث عن مشروع انفصال كما يروج البعض، بل كان واضحاً ومباشراً حين قال: سورية بلدنا، ولن ننفصل عنها، ولكننا نريد أن نكون شركاء حقيقيين فيها، لا مجرد تابعين أو هامشيين يُستخدمون وقت الحرب ويُنسَون وقت السلم..
قال لي أيضاً إن قوات سورية الديمقراطية (قسد) ليست مجرد تشكيل عسكري، بل رؤية سياسية وأخلاقية لنموذج مختلف من الحكومة والمجتمع، وردد بحزم..
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على