لوحات رشيد بوحامدي ملاذ المنسيين والمنبوذين
رغم أنه لم يزر بلده إلا في مرحلة متأخرة، فإن الذاكرة المغربية تظلّ حاضرة في أعمال رشيد بوحامدي عبر الزخرفة، والألوان، والنباتات، والحنين إلى البيت. لكن إقامته في الولايات المتحدة تضيف إلى تجربته بعداً هجيناً. هذه الهوية المزدوجة تتحول في أعماله من مأزق إلى محفّز إبداعي.
لا يقدّم بوحامدي في معرضه الجديد مملكة الملاذ، الذي يتواصل في رواق ضفاف بمقر مؤسسة الحسن الثاني بالرباط حتى الثالث من الشهر المقبل، مجرد ألوان متقدة أو أشكال زخرفية تستعير جمالياتها من التراث، بقدر ما يشيد مدينة وحديقة من رموز وأساطير.
بوحامدي، الذي نشأ في الولايات المتحدة من أب مغربي وأم فرنسية، يختزن في أعماله هذه السيرة الموزعة بين ثقافات متنافرة. لا يتعامل مع اللون باعتباره وظيفة تزيينية، وإنما قوة قادرة على إعادة تشكيل المزاج. الألوان عنده (الأزرق، والأخضر، والأحمر...) مشبعة، نابضة، متناقضة أحياناً، لكنها تظل محكومة بإيقاع داخلي يمنعها من الانفجار في فوضى عارمة.
تتحول المرأة في أعماله إلى رمز للكرامة والجمال المهدور
هناك ضوء يخرج من عمق اللوحة لا من خارجها، كأن اللوحة كائن يتنفس من الداخل. إذا كان اللون عند بوحامدي هو الإيقاع النفسي، فإن الزخرفة هي البنية المعمارية للوحة. متأثراً بالزليج المغربي والعمارة الإسلامية، يشتغل على النمط كونه أداة للتماوج لا خلفية ثابتة. الزخرفة هنا تفوق كونها إطاراً جامداً إلى اعتبارها جزءاً من الجسد، من النبات ومن الحركة.
في كثير من أعمال هذا الفنان تنمو نباتات استوائية أو غريبة وسط فضاء زخرفي مألوف، النبات عنده رمز للانفلات، للذاكرة المتعددة التي ترفض أن تُختصر في وطن واحد.
من جهة أخرى، لا تظهر المرأة عند بوحامدي شخصية مرسومة فحسب، وإنما كياناً أسطورياً. هي رمز للخصوبة، للذاكرة، وللألم أيضاً، وتتجاوز كونها جسداً مرسوماً لتصير مرآة للهوية المزدوجة وللجماعة المهمشة. هكذا تتحول الأنثى إلى رمز للكرامة والجمال المهدور، وإلى استعارة عن قوة الحياة في مواجهة التلاشي.
إحدى لوحات المعرض تكشف بجلاء هذه العلاقة المركبة بين الطبيعة والإنسان، إذ
ارسال الخبر الى: