لماذا يحدث ذلك
أعتقد، من تجربتي، وتجربة آخرين من الكُتّاب، أنّ أهداف الكاتب الأولى، في الأدب والفن، هي محاولة الإجابة عن السؤال: لماذا حدث ذلك، ولماذا يحدث ذلك الآن؟ فحين يرى الكاتب أو الفنان الظلم، والعنصرية، والتصفيات، وقتل الأبرياء، واجتياح القرى والمدن، وارتكاب المجازر، يتكرّر هنا وهناك في العالم، لا مناص من أن ينهض السؤال الوجودي: لماذا؟ ثمّة مَن يحاول أن يجد الأجوبة، وثمّة مَن يترك السؤال معلقاً مرهوناً بضمير البشر.
والسؤال الذي يتكرّر ويتلقى أجوبة متنوعة عن الكتابة، عن لماذا نكتب الرواية؟ ناجم في تقديري عن تكرار ارتكاب جزء من البشر الجرائم، والمذابح، والانتهاكات بحقّ جزء آخر، ويزداد إلحاح السؤال حين يكون المقتولون أبرياء، لا ذنب لهم في أي صراع، أو اقتتال آخر، بل إنّ انشغال الكاتب والفنان في محاولة تفسير العالم من حولنا، هو الشكل النموذجي لالتزامهما بالتغيير الممكن نحو الأفضل.
كان ماركس يقول ليس المهم تفسير العالم، بل المهم هو تغييره، كانت عبارته تذهب نحو محاولة تغيير العالم بالفلسفة والاقتصاد السياسي والعلم الحديث، بينما كان الفن، والأدب طوال التاريخ يحاول تفسير العالم، فهم العالم، وتزداد أسئلة الكتابة، والفن، كماً ونوعاً، في العصور التي تشهد حروباً ضخمة، يذهب ضحيتها الآلاف، بل الملايين من البشر، وحتى لو تمكّنت الثورات، أو الانقلابات، من تغيير العالم، والتعبير هنا نسبي، إذ لا توجد قوة تستطيع تغيير العالم كلّه، ربما تقدر أن تغير مكاناً، أو جزءاً، أو بلداً، وتظلّ محاولة التفسير أكثر شمولاً، وقدرة على خلق التواصل بين البشر.
الفنان خالق جديد، أو مجرّب، أو بنّاء يخلق عمارته الخاصة
وربما كان أحد أهم أسباب انقسام الفن والأدب في العالم كلّه، وكذلك انقسام مدارس النقد الأدبي إلى مذاهب وتيارات، هو الاختلاف في تفسير العالم من حولنا، وهو اختلاف إنساني مشروع إلى أبعد الحدود، لأنه قائم على حرية الكائن في رؤية العالم من حوله، وهي رؤية لا تضرّ أحداً، ولا تعرقل الحياة في أيّ مكان، ولهذا لن نرى اختلافاً جوهرياً بين أسئلة شولوخوف في الدون
ارسال الخبر الى: