فيما تستمر وتتوسع ثورة غزة الطلابية التي بدأت في أميركا ووصلت إلى أوروبا لا نجد في الجامعات العربية وحتى الفلسطينية حراكا يذكر وهذا السكون الملحوظ مؤشر على شلل الحركات الجماهيرية العربية وضعف الأحزاب والمؤسسات المدنية وهو مؤشر خطير على حالة العجز عن تحرك جمعي ليس ضد حرب الإبادة الصهيونية فحسب بل على المطالبة بالعدالة والحرية عموما فالتراجع بعد انتكاسة الانتفاضات العربية التي نهضت أواخر 2010 وبدأت بالضمور في 2015 كان له تأثير عميق في المجتمع العربي كله فانتصار الثورات المضادة وفشل الانتخابات في إحداث تغيير نحو الأفضل وغياب قيادات وجبهات موحدة تحمل رؤى وطنية تقدمية أصاب كثيرين بالإحباط وحتى اليأس أما الأنظمة فالدرس الوحيد الذي تعلمته هو ابتداع أساليب جديدة في كبح الحريات من سن قوانين تخنق حرية التعبير والعمل السياسي إلى إغلاق الساحات والميادين حتى لا تصبح مراكز تجمع ورموزا لإرادة الشعب والتغيير ما تقدم كله أثر أيضا في حركة التضامن مع القضية الفلسطينية وفي مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني باعتباره خطرا على فلسطين والدول العربية مجتمعة وفرادى وفي المحصلة أشاع تقييد الحريات والقهر أجواء الخوف والترهيب من اعتقال وتدخل أجهزة الأمن ومن فصل من الجامعات ومن تدمير مستقبل الطلبة وأوصل الجامعات إلى هذه الدرجة من السكون المخيف مع أهمية غياب الحريات عاملا رئيسا في تحليل عدم انضمام الطلبة في العالم العربي إلى الثورة الطلابية العالمية لكنه ليس العامل الوحيد بل يجب أن نواجه حقيقة وتداعيات تدهور وتشويه الوعي والثقافة الذي غيب الجامعات العربية عن الحراك ضد حرب إبادة ليست بعيدة عنا ونتابع أحداثها لحظة بلحظة على شاشات قنوات التلفزة والهواتف النقالة معظم الأنظمة العربية مسؤولة عن تغييب ممنهج للقضية الفلسطينية في المدارس والجامعات وبخاصة بعد سلسلة من اتفاقيات تطبيع رسمية مع الدولة الصهيونية فهناك جهل أو نقص معرفي بجذور القضية بما في ذلك فهم الحركة الصهيونية وطبيعة المشروع الصهيوني وخطره على الأمن القومي العربي يضاف إليه تسطيح معرفي بطبيعة الصراع وتداعياته على الاستقرار في المنطقة الأخطر ربما عملية الفصل الممنهجة أيضا بين نضال الشعب الفلسطيني والتحرر الوطني العربي وقضايا الحريات والعدالة والحقوق الاجتماعية بحجة أن الانشغال بالقضية الفلسطينية يعرقل تقدم المجتمعات العربية وهذا التيار بالمناسبة ليس في أوساط النخب الحاكمة بل لدى بعض التيارات الليبرالية التنويرية فتحت عنوان الحداثة يناصب هؤلاء العداء للقضية الفلسطينية وهو في جزء منه تأثر بتيار ليبرالي غربي منافق وأحيانا عنصري يسوغ السياسات الاستعمارية وفي جزء مهم منه يجسد التأثيرات الفكرية والإقليمية العنصرية والمالية في تفكير أحزاب وأشباه مثقفين وحتى مثقفين بدأ هذا التيار الليبرالي الانتقائي وأحيانا الإقصائي في العالم العربي يتغلغل في هيئات التدريس الجامعية ومراكز الأبحاث والإعلام وساهم في تشويه الوعي عند أساتذة الجامعات والطلبة وأكثر مقولات هذا التيار أهمية أنه يقف في مواجهة تيار الإسلام السياسي ويعتبرها أولوية في التغيير بل ربط الشق الأسوأ في هذه التيارات القضية الفلسطينية بكراهية تخلف التيار الديني وهنا تقزم القضية الفلسطينية إلى صراع ديني يجابهونه بـالمحبة للجيش الذي ينكل بالفلسطينيين وبقبول الاحتلال وتفوق إسرائيل حالة التشوه في النظام السياسي العربي انعكست على حالة الجامعات وعلى حراك الطلاب الذين ليسوا في منأى عن حالة الإحباط العام من جدوى المظاهرات هذ التيار وإن لا يبدو قويا غير أن تأثيره في الشباب أعمق مما يظهر في السطح لأن بعض الحكومات تقبل هذا التيار الليبرالي وتستخدمه من خلال منظمات غير حكومية بعضها ممول أجنبيا أو تمكين الشباب داخل الجامعات وخارجها لضمان الولاء ولمواجهة تيار الإسلام السياسي وهذا ما فتئت بعض الحكومات تمارسه لمنع حدوث انتفاضة عربية ضدها بعد تجربة الربيع العربي ولذا كان التخويف أو زرع وعي مشوه ضد دعوات الإصلاح خصوصا أن كثيرا من المنظمات شبه الحكومية التي تضم بعض الليبراليين تكون مخترقة أمنيا وتمثل توجهات عنصرية ضد الفلسطينيين تحت غطاء مواجهة الحركات الإسلامية فقامت بعض الدول بتوظيف هذا التيار عند بدء التحركات في الجامعات تضامنا مع غزة بحجة الخوف من تأثير انتصار حركة حماس أو حتى صمودها في تقوية الحركات الإسلامية تتقدمها جماعة الإخوان المسلمين اللافت غياب حركة طلابية قوية في لبنان الذي حمل في الستينيات والسبعينيات شعلة الانتصار للثورة الفلسطينية فبالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي واليأس من حكومات تعتمد التقاسم الطائفي بين قيادات الطوائف فإن ربط القضية الفلسطينية بمعاداة النظام السوري وإيران أصبح من مبررات النفور من تأييد القضية الفلسطينية وترى ذلك بين فئات من المعارضة السورية من الطلبة ومن الشباب أي إن من يناصب العداء لأنظمة تحمل شعار الممانعة والمقاومة انتقل من رفض لطهران إلى رفض للقضية الفلسطينية من دون وقوف النخب بحزم أمام أي هجمة أمنية لا يحق لنا أن نطالب الطلبة بالتحرك ونحن صامتون من الغريب ألا يتقدم الطلبة الاحتجاجات وبخاصة ضد الجريمة المروعة والمستمرة في فلسطين لكن حالة التشوه في النظام السياسي العربي انعكست على حالة الجامعات وعلى حراك الطلاب الذين ليسوا في منأى أيضا عن حالة الإحباط العام من جدوى المظاهرات في الضغط على الحكومات العربية وجعلها تغادر حالة الخذلان للفلسطينيين إن لم يكن ممالأة أميركا وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني فهناك طلبة مصريون اعتقلوا لتأييدهم غزة ورفض جريمة الإبادة وفي بعض دول الخليج العربي غير مسموح إظهار التأييد للفلسطينيين أو حتى رفع علم فلسطين وفي الأردن نجحت الحكومة والأمن إلى حد ما في فرض حالة خوف وأجندة شعارها مصلحة الأردن أولا جعلت من الحراك تأييدا للفلسطينيين خطرا على الأردن إلى حد اتهامه بالانصياع لتحريض أو أوامر حماس وكاتبة هذه السطور شبه متأكدة لو أن بعض الطلبة العرب كانوا يدرسون في الجامعات الأميركية أو البريطانية لكانوا قيادات في ثورة غزة الطلابية لكن قمع الفكر وحرية التعبير في مدارسنا وجامعاتنا العربية وحتى في قاعات التدريس والصفوف ينتج طلابا خائفين على فرصهم في الشهادة الجامعية ويخشون التضحية بمستقبلهم خصوصا أنهم فقدوا الثقة بقدرة الشعوب على التغيير ما تقدم ليست مسوغات أو تبريرات لحالة الصمت في الجامعات العربية بل إدانة للأنظمة التي جعلت العقلية العرفية الأمنية العربية تتحكم بالجامعات والبديل الآن هو في تحرك طلابي جماعي فلا يمكن فصل المئات والزج بالآلاف في المعتقلات خصوصا أن الدفاع عن فلسطين في هذه المرحلة هو دفاع عن الأردن وفلسطين وسورية ومصر والإمارات وكل بلد عربي لكن على النخب أيضا أن تتحرك ولا تترك الشباب والطلبة فريسة العملية الأمنية والاعتقال وهذا جزء كبير من المشكلة فمن دون وقوف النخب بحزم أمام أي هجمة أمنية لا يحق لنا أن نطالب الطلبة بالتحرك ونحن صامتون أما الأنظمة فمحاولاتها لتكوين طلبة موالين وخانعين ستنقلب عليها فأميركا نجحت سنوات بعد الاحتجاجات ضد حرب فيتنام في كبح الحركات الطلابية إلى أن انفجرت بوجهها رفضا لحمايتها مشروعا استيطانيا إحلاليا عنصريا يهدف إلى إلغاء هوية الشعب الفلسطيني حتى لو تطلبت إبادته