نعم للعدالة
لا يمكن لمجزرة أن تمضي إلى النسيان، لأن علينا أن نعلي من شأن قيمة أخلاقية رفيعة هي التسامح، خصوصاً إذا كنا نستخدمها مصطلحاً يخلو من أعمدته الضرورية، وأهمها مشاعر الضحايا. فالتسامح، بحسب كل المسارات الفكرية التي استُخدم فيها في عالمنا العربي، كان يعني أنَّ على الضعيف أو الضحية، أو الخاسر، أو المهزوم، أن يؤمن بفكرة التسامح أكثر من إيمانه بفكرة العدالة. بينما لم تُطلب في أي يوم من القاتل، أو المجرم، أو المعتدي، أو القوي، أو الطاغية.
ولهذا، تبدو في معظم الحالات التي تُطرح بكونها قضية في أي مجتمع، نوعاً من الاعتداء على مشاعر الناس الذين تعرضوا للقهر أو الإبادة أو القتل أو هدم البيوت أو الطرد من القرى والمدن والأماكن التي يسكنونها.
ولهذا، فإن من يطلب من أهل الضحايا أن يسامحوا القتلة، يعيد قتلهم مرّة ثانية. وهذا يعني في كل الأعراف والأخلاق تكريم القاتل، وتبرير الجريمة. قبل أن يطلب من الضحايا أن يسامحوا، على المنادين بهذه القيمة أن يسألوا القاتل لماذا قتل، والمجرم لماذا أباد، والمختطف لماذا اختطف، والغازي لماذا غزا، وأن يقدم هؤلاء جميعاً إلى محكمة تحكم بالعدل وفق كل القوانين الإنسانية التي لا تقبل عذراً لقاتل، ولا تقبل جَوراً على ضحية.
العدالة تعني البحث عن احتمالات البراءة بقدر البحث عن ممكنات الذنوب
وفي كل الأحوال، لا شيء يمكن أن يعوض الخسارات البشرية. العدالة الانتقالية التي لم تتحقق في سورية، على سبيل المثال، لا يمكنها، في حال تحققها، أن تعيد قتيلاً أو عزيزاً غالياً فقدناه. العدالة الانتقالية عمل إجرائي عادي، بل أقل من عادي، يتمكن من خلاله الأحياء الذين خسروا أحبتهم من أن يشاهدوا بأم العين، والضمير، أن المجرم أو القاتل اليوم وبالأمس سيُحاسب أمام قوس العدالة، وأنَّ البلاد صارت تملك قوانين عادلة، وأنها أيضاً صارت تضع ثقتها في يد قضاة مستقلين، لا يقبلون الرضوخ لأي أمر سلطوي مباشر، أو أي أمر مباشر أو غير مباشر للسطو على القانون.
عندئذ يمكن الحديث عن التسامح، وهو يعني في
ارسال الخبر الى: