لعبة النثر والشعر
انطلقت يوم الأحد الفائت مباريات كأس أفريقيا للأمم المقامة في المغرب. كنا نسمي هذا اليوم الأحد الأسود. لأننا نبقى محبوسين في البيت. ننتظر أن يمرّ المشجّعون. ثم ننتظر عودتهم في وقت متأخر من المساء. تهبُّ جيوش الأحياء الهامشية، شباباً وأطفالاً، مدججين بالرايات والشعارات والهتاف المدوّي. وهم يمرّون من تحت النوافذ، كان الهدير المرعب يصلنا حتى قاع البيت. تأمرنا الوالدة أن نلزم الصمت، كأنما تتوقع في أية لحظة أن يهجموا على البيت.
2.
تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من المتعة إلى الصرامة. من اللعب الطفولي إلى الجدّ الكئيب. هذا ما جعل باولو بازوليني يفرّق بين الكرة ذات اللغة الشعرية والكرة ذات اللغة النثرية. وهو على حق لأنه شاعر قبل كل شيء. قليل من المتعة وكثير من الجدّ في الكرة المعاصرة. انضباط عسكري صارم. كثير من المتفرجين وقليل جداً من اللاعبين. وأقل منهم من اللاعبين الماهرين. المهارة تحوّلت مع مرور الوقت إلى عملة نادرة. النتيجة هي الهدف. كل الزّلات والهفوات والعنف والعنف المضاد مغفورة. والدماء التي سالت في الملعب وفي المدرجات. والذين نُقِلوا على وجه السرعة لأحد المستشفيات. الهدف، الهدف، الهدف، يصيحون على مرأى من اللاعب المحمول خارج الملعب على نقالة.
3.
خرجتُ إلى الجزار بعد مباراة المغرب والأردن. وكان أمام حانوته طفل لا يتجاوز السابعة من عمره. كان يرقص أمام قطع اللحم المعلّقة وهو يغني طحناهم، صيّرناهم كفتة. ربما حمل اشتياقه إلى سندويتش لحم مهروش طيلة أيامٍ وليالٍ. أما في تلك اللحظة فلم يكن يقصد اللحم، مهروشاً أو غير مهروش، كان يحتفي بانتصار المغرب على الفريق الأردني.
يقول بورخيس: لعبة تحكمها القومية والتعصب وعقلية القطيع
4.
الكاتب غاليانو يشبّه الكرة في البرازيل بالرقصة الحربية للعبيد الزنوج. اللغة لغة حرب. هجوم ودفاع. هجمة وهجمة ومضادة. مربع العمليات. ركلات. صدّ الهجوم. وهي رقصة أيضاً لأنها تخرج من الحرب الحقيقية إلى الحرب المجازية. مباراة الوداد والرجاء حقدٌ متبادلٌ، حربٌ لا نهاية لها، تبدأ قبل المباراة وتستمر بعدها إلى عقر المنازل. جارتنا كنزة لا
ارسال الخبر الى: