سام برس لدبلوماسية الفلسطينية من رياض المالكي إلى فارسين شاهين الواقعية السياسية أم الانفصال الأخلاقي

بقلم/ الدكتور حسن العاصي
في لحظةٍ تاريخيةٍ تتكثّف فيها المأساة الفلسطينية إلى أقصى درجاتها، لا يعود الصمت خياراً، ولا الحياد فضيلة. نحن أمام واقعٍ تتآكل فيه اللغة، وتُفرغ فيه الكلمات من معناها، حتى يُصبح التصريح الرسمي أداةً لإعادة إنتاج الهزيمة، لا لمقاومتها. حين تقول وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين شاهين إن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من أمن فلسطين، فإنها لا تُخطئ في التعبير، بل تُعبّر بدقة عن منطقٍ دبلوماسيٍ فقدَ صلته بالحق، وبالناس، وبالدم الذي لم يجفّ بعد.
هذا التصريح ليس مجرد جملة عابرة في مؤتمر دولي، بل هو مرآة لخطابٍ رسميٍ يُعيد تعريف القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً إدارياً، لا نضالاً تحررياً. خطابٌ يُراهن على التهدئة، ويُراكم التنازلات، ويُعيد إنتاج منطق السلام الأمني الذي حوّل الفلسطيني من صاحب حق إلى وسيطٍ بين الاحتلال والمجتمع الدولي. إنه خطابٌ يُفرّغ المقاومة من معناها، ويُحوّل الضحية إلى شريكٍ في ضمان أمن الجلاد.
منذ سنوات، ونحن نشهد تراجعاً رمزياً وسياسياً في تمثيل القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. لم يكن ذلك نتيجة ضعف الموارد أو ضغوط الخارج فقط، بل كان ثمرة مباشرة لنهجٍ دبلوماسيٍ اختار أن يُهادن، ويُساير، ويُراكم اللقاءات دون موقف. في عهد الوزير السابق رياض المالكي، تحوّلت الدبلوماسية الفلسطينية إلى بروتوكولٍ فارغ، تُدار فيه القضية بوصفها عبئاً، لا بوصفها أفقاً للتحرر. واليوم، يبدو أن هذا النهج لم يُغادر موقعه، بل أعاد إنتاج نفسه عبر وجوهٍ جديدة، تُجيد لغة التهدئة، وتُتقن فنّ التراجع.
لكن القضية الفلسطينية ليست ملفاً إدارياً، ولا بنداً في جدول أعمال مؤتمر. إنها جرحٌ مفتوح، وذاكرةٌ مثقلةٌ بالدم، وحقٌ لا يُقايض بالأمن، ولا يُختزل في معادلات التوازن الإقليمي. حين يُصبح أمن الاحتلال جزءًا من خطابنا الرسمي، فإننا نكون قد عبرنا الخط الفاصل بين التفاوض والتفريط، بين الواقعية السياسية والانفصال الأخلاقي عن جوهر القضية.
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى دبلوماسية تُراعي شروط القوة، بل إلى خطابٍ يُعيد الاعتبار للحق، ويُعيد بناء اللغة بوصفها أداة مقاومة، لا وسيلة تبرير. يحتاج إلى تمثيلٍ
ارسال الخبر الى: