لبنان والمعادلة المستحيلة
يجد لبنان نفسه اليوم أمام معضلة كبرى تختصرها معادلة مستحيلة: دولة بلا مقاومة، أو مقاومة بلا دولة. فمنذ الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 وما تلاه من حروب مُتكرّرة، بقي الجيش اللبناني عاجزاً عن خوض مواجهة مباشرة مع الاحتلال، بسبب ضعف التسليح، انقسام القرار السياسي، الارتهان للمساعدات الخارجية، والعجز المالي، الأمر الذي جعل المؤسسة العسكرية اللبنانية بعيدة عن لعب دورها الطبيعي في حماية الحدود والسيادة.
هذا الفراغ الأمني سمح لـحزب الله اللبناني بأن يتقدّم ويتحوّل إلى قوّة عسكرية موازية تحت شعار المقاومة، مُقدّماً نفسه كخطّ الدفاع الأوّل في وجه إسرائيل، لكن هذه المعادلة التي بدت في البداية تصحيحية سرعان ما تحوّلت إلى معضلة بنيوية. فحزب الله، الذي راكم خبرة قتالية وقدرات تسليحية هائلة، صار في نظر شريحة لبنانية واسعة عقبة أمام استعادة الدولة لوظيفتها الدفاعية، بينما يراه أنصاره الضمانة الوحيدة لردع إسرائيل، وبين الموقفين المتناقضين، يظلّ لبنان أسير حلقة مفرغة: الدولة ضعيفة لأنها بلا سلاح فعّال، والحزب متمسّك بسلاحه لأنه لا يثق بقدرة الدولة على الدفاع عن سيادة وأراضي البلاد.
هذا الانقسام الداخلي يتغذّى بالأصل من صراعات الخارج، فالولايات المتحدة ترى في ضعف الحزب بعد حرب 2024 فرصة ذهبية للضغط من أجل نزعه أو دمجه في الجيش، وتستخدم ورقة المساعدات العسكرية والاقتصادية كسلاح سياسي.
إسرائيل بدورها تستغل أيّ نقاش حول السلاح لتبرير خروقاتها المُستمرّة والتلويح بإنشاء مناطق عازلة داخل الجنوب، وهي الذريعة ذاتها التي تستخدمها منذ الثمانينيات. في المقابل، تعتبر إيران أنّ أيّ تراجع في قدرات الحزب انتقاص مباشر من نفوذها الإقليمي، ما يجعل من الملف اللبناني ساحة مواجهة بالوكالة بين واشنطن وطهران.
في هذا السياق، تبدو السيناريوهات مفتوحة: التسوية المرحلية تظلّ الخيار الأكثر واقعية، وتقوم على انسحاب إسرائيلي من النقاط الحدودية المُتنازع عليها مقابل إعادة انتشار مدروس لعناصر الحزب بعيداً عن الشريط الحدودي، مع تعزيز وجود الجيش، هذا السيناريو يحفظ وظيفة الردع ويوفّر للدولة غطاءً رسمياً.
الحل الواقعي يبدأ من صياغة استراتيجية دفاعية وطنية تضع سلاح الحزب ضمن عقيدة عسكرية
ارسال الخبر الى: