كلمة في وداع د محمد الظاهري د عبدالحميد عبدالله البكري
58 مشاهدة
لم تدهمنا الفاجعة دون سابق اشارات لكنه كان نبأ قاسيا وموجعا جدا خبر نعي الدكتور محمد محسن الظاهري رئيس نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء واستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء والرئيس الدوري الاسبق للمجلس الاعلى لنقابات هيئات تدريس الجامعات اليمنية فقد كنا نرجو له الشفاء وتجاوز المحنة ونأمل في عودته رحمة الله عليه لكنها الآجال والقدر المحتوم يرحل عنا الدكتور محمد الظاهري والبلاد كلها في أمس الحاجة إليه وإلى أمثاله وليس فقط نحن في جامعة صنعاء باعتباره ك رئيس نقابة شجاع نذر نفسه لخدمة زملائه الأكاديميين ومطالبا بحقوقهم المشروعة ومضحيا بوقته وجهده وصحته ومتصديا لكل المظالم التي طالتهم جمعتني بأخينا وزميلنا الدكتور الظاهري محطات كثيرة وعلاقة شخصية وأخوية تعرفت منها على شخصه ومعدنه وأحواله خصوصا السنوات الاخيرة القاسية التي مرت بالبلاد ولا تزال اثر عودة الامامة وهي الفترة التي صادفت الاقدار أن تضعنا قبل وصول الكارثة إلى صنعاء في واجهة العمل النقابي هو كرئيس لنقابة هيئة التدريس وأنا معه كأمين عام خلال فترته وقبلها أيضا في الدورة السابقة منذ 2008م التي اختير فيها أمينا عاما للنقابة أشهد ومعي كل الزملاء ذوي الانصاف أن فقيدنا الراحل جعل من النقابة بيتا وسكنا لا يغادره إن تطلب الامر إلا في الساعات الأخيرة من الليل وخلق له من الهيئة الادارية للنقابة اسرة صنع بين أفرادها الانسجام والتعاون والتفاعل لخدمة الهيئة التدريسية والسعي لتصحيح مسار الجامعة والوقوف بحزم ضد أي مخالفات أكاديمية وإدارية خارج إطار قانون الجامعات كهدف اصيل من أهداف النقابة التي كانت ولا تزال أهم واثقل النقابات اليمنية التي تجمع أهم عقول البلاد ومفكريها والعلماء في كل الحقول كان الظاهري يؤمن أن العمل النقابي هو الوجه الاخر للعمل الإداري ويتحرك في مواقفه من قناعته هذه وبحكم عضوياته في مجالس الجامعة الاعلى والاكاديمي والدراسات العليا كممثل نقابي لزملائه كان صوته ظاهرا وقويا نزيها وصاحب موقف حازم ضد أي مخالفة لايحابي ولا يجامل ولا يستغل خلال معايشتي له منذ أن كان أمين عام النقابة في الدورة النقابية لعام 2008 ثم فوزه مجددا بموقع رئاسة النقابة مطلع 2014 التي خلفته فيها بموقع الامين العام شهدت العديد من مواقفه ولمست تفانيه وتضحياته وجوانب شخصيته الفريدة الشجاعة النزيهة كان رحمه الله أكثرنا عملا ونشاطا وفي المقابل كان اكثرنا زهدا في أموال النقابة لدرجة رفضه استلام المكافئات النقابية المقررة في النظام الأساسي للنقابة بل كان غالبا يتنازل عنها لبقية زملائه في الهيئة الإدارية ويحرم نفسه رغم حاجته الماسة للمال وظروفه التي كنت مطلعا عليها وقريبا من حياته ومعيشته الأسرية كانت حياة تقشف يشعر بلذتها ويتصالح معها من مواقف الدكتور محمد الاخيرة رحمه الله في التضحية من أجل زملائه والانتصار لهم أذكر بعض منها فعندما اعتقلت ميلشيات الحوثي الزميل الدكتور عبد المجيد المخلافي استاذ الإدارة العامة والنظم السياسية المقارنة الذي كان أيضا زميل تخصص وقسم للفقيد الظاهري وهو في طريقه لحضور مؤتمر علمي في العاصمة الأردنية عمان قاد الدكتور محمد الظاهري وقفات وفعاليات احتجاجية شجاعة داخل الجامعة مطالبا بإطلاق سراحه في وقت كان الكل يدرك فيه معنى الوقوف بوجه الهمجية الحوثية تم الاعتداء عليه إثر مواقفه تلك وملاحقة الذين وقفوا معه لدرجة أن بعض زميلاتنا لاحقوهن تهديدا واعتداء إلى مكاتبهن واعتقل فعلا مع مجموعة من الزملاء المشاركين في الفعالية التضامنية تجنبا للتصعيد افرجت الميلشيا في نفس اليوم عن الموقوفين عدا الدكتور الظاهري والدكتور عبدالله الفقيه بل رفض الظاهري مغادرة السجن الا بعد خروج كل زملائه الموقوفين على ذمة الفعالية وظل معتقلا لمدة 15 يوم كان فعلا عند كلمته لم يغادر سجنه الا بعد الافراج عن الجميع من مواقفه النبيلة حين قررت الحكومة الشرعية البدء بصرف رواتب موظفي الدولة بعد تخلي ميلشيات الامر الواقع عن واجبها وبدأت بصرف رواتب لبعض أعضاء هيئات التدريس وتواصل به بعض زملائه ورفاقه ليعرضوا عليه خدمتهم له في معاملة صرف راتبه الزهيد اصلا ليواجه به بعض التزاماته وظروفه القاسية لكنه رفض بإصرار رغم حاجته إليه مشترطا أن يتم صرف رواتب كل الزملاء ويكون واحدا منهم وليس استثناء اضطرت غالبية الكوادر والقيادات لمغادرة صنعاء التي ظلت تضيق يوما بعد آخر بفعل ممارسات الميلشيات كنت وزملاء كثيرون ممن غادرناها كرها لا رغبة لكن زميلنا الظاهري رحمه الله كان مصرا على البقاء رغم كل المخاطر في جامعته ونقابته وسط من تبقى من تلاميذه وزملائه بلا أمان ولا ضمان ولا راتب بفعل السرطان المرض العضال الذي هجم عليه وداهمه فجأة اضطر زميلنا العزيز الدكتور محمد الظاهري لمغادرة صنعاء أملا في العافية وبحثا عن اسبابها غير المتوفرة في صنعاء وظل طيلة سنوات علاجه يعيش الصمت والوجع ويتلقى العلاج راجيا العودة لم يطرق باب أحد بل وكثيرا ما كان لا يرغب في استقبال بعض ممن يحاولون تقديمهم التعاون معه والوقوف في محنته نعم كان يفعل كل ذلك عفة لا استغناء وصبرا لا ترفا فظروفه نعلمها جميعا ولولا بعض الاصرار من محبيه واسرته الكريمة واولاده الذين أحسن تربيتهم ورباهم على الاعتماد على الذات ما كان قدر حتى على مواجهة تكاليف العلاج والغربة والاقامة فيها غادرنا الدكتور الظاهري في ذروة نشاطه وقبل أوانه بكثير كم كانت البلاد بحاجة إليه لكنها أقدار الله وآجاله واختباراته لنا في هذا الظرف بالغ القسوة التي تمر به البلاد وعزاؤنا الوحيد هو السير على ما كان عليه من مبدأ ونزاهة والاستفادة من سيرته وارثه وابحاثه الهامة في فهم اليمن ومجتمعها وحل مشاكلها وأملنا كبير في أن له اولادا نجباء سيحفظون إرث ابيهم وسمعته العطرة ويحققون لهم وللبلاد ما يستحقون وما رباهم عليه وما كان يطمح إليه من حياة كريمة وعدالة كنقابي من موقعي كأمين عام للنقابة أشاطر كل اسرته والزملاء التعازي والألم والمواساة والحزن في آن واحد لا يسعني الا ان اشكر كل من وقفوا معه في محنته وأصروا على عدم خذلانه وفي مقدمتهم سفيرنا لدى جمهورية تركيا سعادة اللواء محمد صالح طريق والاخت الاستاذة توكل كرمان التي بادرت يوم انشغل وغاب الكثير وأملي من الزملاء في النقابة والنقابات ان نستمر في حمل راية الحلم والواجب الذي حملناه سويا مع فقيدنا الظاهري رحمة الله تغشاه والوفاء له أسأل الله لفقيدنا الرحمة ولأهله واسرته وطلبته ومحبيه الصبر والسلوان والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه د عبدالحميد عبدالله البكري أستاذ التاريخ المعاصر أمين عام نقابة هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء