كسر الهيبة الروسية

١١٥ مشاهدة
لا تحتاج روسيا إلى هزيمة عسكرية مدوية في أوكرانيا حتى تهتز مكانتها قوة عالمية كبرى فما جرى على مدى الستة عشر شهرا الماضية منذ غزوها ذلك البلد أطاح سمعتها وضعضع منزلتها وبيئتها الاستراتيجية ومن المفارقات الكاشفة الفاضحة للقوة الروسية أن تكون مدينة صغيرة في شرق أوكرانيا هي باخموت التي لا تتجاوز مساحتها 42 كيلومترا مربعا ببضعة آلاف من السكان بقوا فيها عنوان الانتصار الأبرز بعد تسعة أشهر من معارك ضارية تكبدت خلالها موسكو خسائر هائلة بل ما كان لروسيا أن تحسم معركة باخموت لولا مرتزقة مجموعة فاغنر التي لا يكف زعيمها يفغيني بريغوجين عن توجيه أشد الاتهامات وأقذعها للمؤسسة العسكرية الروسية واتهامها بالفشل أما الأكثر إيلاما وإهانة فهو نقل الأوكرانيين المعركة إلى داخل روسيا ليس في المدن الحدودية فحسب بل وصولا إلى العاصمة موسكو نفسها حيث تكررت هجمات بطائرات مسيرة على بعض أحيائها كما جرى قبل بضعة أيام وقبل ذلك كانت هناك محاولة استهدفت قصر الكرملين مطلع شهر مايو أيار الماضي ليس خافيا طبعا أنه ما كان في مقدور أوكرانيا أن تدمي الدب الروسي وتستنزفه لولا الدعم الغربي غير المحدود لها منذ الأيام الأولى للغزو الروسي في شهر فبراير شباط 2022 لم تأل الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما جهدا في محاصرة روسيا اقتصاديا وسياسيا وجيوسياسيا ثم في مد أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة الدفاعية وصولا إلى الهجومية لكن روسيا يفترض فيها أنها قوة عظمى وأوكرانيا تقع ضمن نطاق نفوذها الاستراتيجي وبالتالي كان من المفهوم أن تجد نفسها في معركة استنزاف كما حصل مع الولايات المتحدة من قبل في فيتنام ثم في أفغانستان والعراق وكما كان حدث مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان غير أن الاستنزاف في تلك الحالات كان يأتي بعد غزو ناجح بقوة كاسحة ثم تجد القوات المحتلة نفسها في مستنقعات مميتة جراء المقاومة الشعبية أما في حالة أوكرانيا فمنذ اليوم الأول وجدت روسيا قوتها عارية أمام العالم وهي عاجزة عن إدارة المعركة لوجيستيا وهو ما أتاح للولايات المتحدة وأوروبا فرصة لا تعوض لتسليح كييف وتنظيم صفوف قواتها ودعمها بالمعلومات الاستخباراتية ما جعل القوات الروسية على الأرض أهدافا مكشوفة ساهم غزو أوكرانيا بشكل فعال في إعادة رسم خريطة القوى العالمية حتى السلاح النوعي الروسي من صواريخ فرط صوتية وسفن حربية ومقاتلات نفاثة ودبابات ومدرعات وأنظمة دفاع جوي إلخ انهارت سمعته وبعد أن كانت الصين وراء روسيا في تصدير السلاح عالميا بدأت تزاحمها وتتقدم عليها رغم أن كثيرا من تكنولوجيا السلاح الصيني نسخ غير مشروعة من السلاح الروسي تمت قرصنتها أو إعادة تصنيعها وبعد أن كانت موسكو وبكين نظيرين في تحالف استراتيجي لتحدي الهيمنة الأميركية والغربية عالميا تحولت روسيا إلى ما يشبه حليفا صغيرا للتنين الصيني ليس هذا فحسب ها هي الصين تنافس روسيا في آسيا الوسطى إن لم تكن في طور إزاحتها من المشهد فيها وهو الفضاء الجيوسياسي الذي كان تحت الهيمنة السوفييتية عقودا طويلة وكان يعد إلى ما قبل بضع سنوات منطقة نفوذ حيوي روسي وفي حين كان منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو أحد أبرز الأسباب المعلنة من موسكو لغزوها حتى لا يكون الناتو متاخما حدودها الغربية فإن فشل روسيا في هذه المعركة سمح للحلف الغربي بتوسيع نطاقه ليشمل فنلندا وستتبعها السويد يدرك الكرملين المصيدة الاستراتيجية التي وقع فيها لكنه عاجز عن الخروج منها كما أنه عاجز عن كسرها وبالتالي لم يعد يملك من خيارات سوى التلويح بالسلاح النووي والذي يعني اللجوء إليه نهاية روسيا كذلك وليس خصومها فحسب قبل بضعة أيام صرح الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف بأن الحرب في أوكرانيا قد تستمر عشرات السنين وقد تشهد فترات طويلة من القتال تتخللها هدنات قبل ذلك هدد ميدفيديف إن حربا نووية قد تشتعل في حال هزيمة موسكو وهناك من يتوقع انهيارا لنظام الرئيس فلاديمير بوتين وربما انقلابا عسكريا طبعا تبقى هذه كلها توقعات ولكن ما هو ثابت أن غزو أوكرانيا يساهم بشكل فعال في إعادة رسم خريطة القوى العالمية بحيث انزوت روسيا وراء الصين التي صعدت قطب رحى منافسا للولايات المتحدة في حين تمعن الأخيرة في استنزاف موسكو وإذلالها في أوكرانيا ضمن رسائل غير مباشرة موجهة إلى بكين كي تتحسب ألف مرة قبل أن تقدم على غزو جزيرة تايوان إنه صراع جيوسياسي عالمي حقيقي وخطير ولما تكتب فصوله النهائية بعد

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح