كسر الهيبة الروسية
لا تحتاج روسيا إلى هزيمة عسكرية مدوِّية في أوكرانيا حتى تهتزّ مكانتها قوة عالمية كبرى، فما جرى على مدى الستة عشر شهراً الماضية، منذ غزوها ذلك البلد، أطاح سمعتها وضعضع منزلتها وبيئتها الاستراتيجية. ومن المفارقات الكاشفة الفاضحة للقوّة الروسية أن تكون مدينة صغيرة في شرق أوكرانيا، هي باخموت، التي لا تتجاوز مساحتها 42 كيلومتراً مربعاً، ببضعة آلاف من السكان بقوا فيها، عنوان الانتصار الأبرز بعد تسعة أشهر من معارك ضارية تكبّدت خلالها موسكو خسائر هائلة. بل، ما كان لروسيا أن تحسم معركة باخموت لولا مرتزقة مجموعة فاغنر التي لا يكفّ زعيمها، يفغيني بريغوجين عن توجيه أشدِّ الاتهامات وأقذعها للمؤسسة العسكرية الروسية واتهامها بالفشل. أما الأكثر إيلاماً وإهانة فهو نقل الأوكرانيين المعركة إلى داخل روسيا، ليس في المدن الحدودية فحسب، بل وصولاً إلى العاصمة موسكو نفسها، حيث تكرّرت هجمات بطائرات مسيّرة على بعض أحيائها، كما جرى قبل بضعة أيام، وقبل ذلك كانت هناك محاولة استهدفت قصر الكرملين، مطلع شهر مايو/ أيار الماضي.
ليس خافياً، طبعاً، أنه ما كان في مقدور أوكرانيا أن تدمي الدبَّ الروسي وتستنزفه لولا الدعم الغربي غير المحدود لها. منذ الأيام الأولى للغزو الروسي، في شهر فبراير/ شباط 2022، لم تأل الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما جهداً في محاصرة روسيا، اقتصادياً وسياسياً وجيوسياسياً، ثمَّ في مدِّ أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة الدفاعية، وصولاً إلى الهجومية. لكن روسيا يفترض فيها أنها قوّة عظمى، وأوكرانيا تقع ضمن نطاق نفوذها الاستراتيجي. وبالتالي، كان من المفهوم أن تجد نفسها في معركة استنزاف، كما حصل مع الولايات المتحدة، من قبل، في فيتنام ثمَّ في أفغانستان والعراق، وكما كان حدث مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. غير أن الاستنزاف في تلك الحالات كان يأتي بعد غزو ناجح بقوةٍ كاسحة، ثمَّ تجد القوات المحتلة نفسها في مستنقعات مميتة جراء المقاومة الشعبية. أما في حالة أوكرانيا، فمنذ اليوم الأول، وجدت روسيا قوّتها عارية أمام العالم، وهي عاجزة عن إدارة المعركة لوجيستياً، وهو ما أتاح للولايات المتحدة وأوروبا فرصة لا
ارسال الخبر الى: