كتاب طبخ كافكا الطعام رمزا لعزلة وجودية
شهدت السنة الماضية ذكرى مرور مئة عام على رحيل الكاتب التشيكي النمساوي فرانز كافكا، وفتحت الأبواب واسعة لاستعادة آلاف التفاصيل عن كاتب عاش مغموراً من الناحية الأدبية، وكان سيظلّ كذلك، لولا أن صديقه ماكس برود لم يُنفّذ وصيّته بإتلاف مخطوطاته، خلافاً لصديقته ديامنت التي ساعدته في إحراق ما يقارب 90 بالمئة من أعماله التي كتبها في برلين.
لم تكن المناسبة إيذاناً بإعادة نشر أعمال صاحب رواية المسخ، أو أعمال الآخرين عنه، ففي كل عام هناك كتاب ما عنه، وعن رسائله ورسوماته، وعن حياته القصيرة وأسباب رغبته في عدم نشر أي من مخطوطاته، عن شغفه باللغة الألمانيّة وكآباته وأمراضه. في 16 أغسطس/ آب الماضي، صدر كتاب طبخ كافكا، التجوّل النباتي لفرانز كافكا (منشورات كلیت - كوتا)، في 550 صفحة من القطع الكبير، والذي يضيء عاداته الغذائية، ووصفاته في الطبخ.
صدر الكتاب لأول مرة في عام 1893، ولكن في هذه الطبعة التي حررتها الطبيبة إيفا غريتسمان والناقد الأدبي دينيس شِك، والمرفقة بمقدمة منهما، يدخلان معدة ودماغ وأعصاب وهواجس كافكا، ويربطان ذلك مع أعماله. وعلى نحوٍ غير مباشر يقدمان مفتاحاً لفهم حياته ونصوصه الأدبية، من الفنان بالجوع وصولاً إلى رسالة إلى الأب، ما يمنح القارئ نافذة لفهم جوانب من حياته الفكرية وفنه.
استعمل الغذاء مادة للتعبير عن الصراع مع والده ومع المجتمع
كان هرمان، والد كافكا، يهودياً متديناً يعمل جزّاراً ومولعاً بالطعام الدسم وباللحوم، وذا بنية جسدية قوية. في الوقت الذي كان ابنه نحيلاً ومريضاً، وفي وقت لاحق، صار نباتياً، والذي لم يحصل اتباعاً لحمية خاصة لأسباب صحية، وتحوّلت تلك العادات إلى مادة أدبية، استعملها للتعبير عن الصراع مع والده ومع المجتمع، وحتى مع جسده الهش.
ويمكن تخيّل الابن أمام والده الصارم في التربية على مائدة الطعام. فلا يكون أمام الأب سوى أن يضع صحيفة أمام عينيه، لكي لا يرى ما يأكله وريثه النحيل، ولا كيف يأكله ببطءٍ يثير الأعصاب؛ وكافكا يدفع المكسرات والأعشاب والخضار إلى جوفه، وكأنه يرميها في وجه والده.
ارسال الخبر الى: