ما بين بين قصة حب معلقة في مسرح أخير يحترق
يقف الممثّلان على الخشبة، يداً بيد، ويقولان: الحب مش إنّو نطلع على بعض، الحب إنّو نطلع مع بعض بنفس الاتجاه. من هذه الجملة تنطلق مسرحية ما بين بين/ Suspended، من كتابة وإخراج جنى بو مطر، على خشبة مسرح زقاق في بيروت، من العلاقة المعاصرة بالانكشاف، بالتوازي مع استعادة قصة أنتيغون، بوصفها مأساة كلاسيكية غير مكتملة كنصّ معلّق، وبروفة لم تُنجز، وعرض أوّل لم يحدث.
تتكئ الكاتبة، في العرض الذي يتواصل حتى الحادي والعشرين من الجاري، على قصة أنتيغون كي تبلور قصة حب بكل تعقيداتها الإنسانية. الحكايتان تتحرّكان معاً، وتتداخلان تدريجياً، إلى أن يصعب الفصل بين الشخصية والممثلة، وبين النصّ ومن يؤدّيه. أنتيغون، التي دفنت أخاها وواجهت السلطة، تتحوّل إلى امرأة تحاول فهم موقعها داخل علاقة حب، داخل نص، وداخل مدينة عاجزة عن الحداد. أمّا الملك، فيظهر في الوقت نفسه شريكاً، وكاتباً، وصوتاً قانونياً يفاوض الحب كما يفاوض النص.
يناقش العرض أسئلة من دون تحويلها إلى شعارات: من يسبق، النص أم كاتبه أم الممثّل؟ من يبقى، الفكرة أم الجسد؟ وكيف تتحوّل العلاقة العاطفية إلى مساحة صراع تشبه الصراع السياسي، حيث الخوف من النهاية يوازي الخوف من الاستمرار؟ في هذا السياق، تفتح جنى بو مطر مساحة نادرة على المسرح لمقاربة رغبة المرأة وإثارتها، لا كعنصر استفزازي، بل كجزء من بنية نفسية مرتبطة بالغربة، وبالنهايات، وبالتعلّق بما يوشك على الانهيار.
من المشاهد المؤثّرة في العرض، وضع المؤدّيين غطاءين قماشيين على وجهيهما، في استحضار مباشر للوحة رينيه ماغريت العاشقان. القماش هنا يشكّل فاصلاً فعلياً بين القرب والاستحالة، بين الرغبة والحقيقة. الأجساد حاضرة، واللمس ممكن، لكن الوجه — بما يحمله من هوية واعتراف ومسؤولية — يبقى غائباً.
هذا التكوين ليس طارئاً في مسار جنى بو مطر. سبق أن استُخدم المشهد نفسه في مسرحية كوكتيل شقف بلا معنى، حيث شكّل الغطاء وسيلة لإخفاء واقع لا يُحتمل، وللتمسّك بصورة حبّ معلّق، متخيَّل، لا يطالب بمواجهة. في Suspended/ ما بين بين، يعود المشهد محمّلاً بطبقات إضافية: زمن
ارسال الخبر الى: