قصة الدولار في إيران
تعيش سوق الصرف في إيران هذه الأيام فصلاً جديداً من الاضطراب، بعدما تجاوز سعر الدولار حاجزاً غير مسبوق، متخطياً مليوناً ومائتي ألف ريال. غير أنّ الحقيقة هي أن الدولار ثابت في مكانه، بينما العملة الوطنية هي التي تهوي باستمرار، فلا تبدو حركة السوق وكأنها صراع بين عملتين تتبادلان الصعود والهبوط. ورغم أن إيران قطعت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة منذ عام 1979 بهدف تحييد نفوذها وصون استقلالها، فإن حياة الإيرانيين اليوم باتت معلّقة بسعر الدولار داخل البلاد، لا بتقلباته الدولية. وهذا يكشف حقيقة بالغة الأهمية في عالم شديد الترابط أن الانفصال لا يعني بالضرورة استقلالاً اقتصادياً، ما دامت التجارة الدولية، وتكاليف الإنتاج، وحركة رؤوس الأموال، مرتبطة بمنظومة مالية يقودها الدولار.
وبات المواطن الإيراني يومياً يترقب بقلق فتح سوق العملات، حيث مع كل قفزة في سعر الصرف، ترتفع أسعار السلع والخدمات بلا استثناء؛ لا المستوردة فقط، بل المحلية أيضاً. فقد تراكمت موجات الغلاء عبر العقود، وتفاقمت منذ إعادة فرض العقوبات الواسعة عام 2018، لتتآكل القدرة الشرائية ويزداد التضخم الذي يبلغ حالياً 50%. كذلك، تُشنّ الحرب الاقتصادية الخارجية، التي أدّت إلى تراكم الأخطاء في السياسات الداخلية واتساع الاختلالات في مجالات الطاقة والمياه والبنى التحتية. غالباً ما يُظن أن التضخم يفتك بالاقتصاد وحده، غير أن كثيرين يغفلون عن أن أثره، مع مرور الوقت، أعمق وأخطر، إذ يمتدّ ليفتك بالسياسة والمجتمع وسائر مناحي الحياة. تصبح الطبقة الوسطى في إيران في أضعف حالاتها، وتتسع دائرة الفقر بشكل يومي، بما يحمله ذلك من تداعيات سياسية واجتماعية تفسّر تصاعد الاحتجاجات ذات الطابع المعيشي في السنوات الأخيرة.
ورغم أن إدارة الاقتصاد تحت ضغط العقوبات مهمة شائكة بطبيعتها، فإن السياسات التي اعتمدت على تثبيت سعر الصرف قسراً على مرّ عقود خلقت تشوّهات، وأنتجت نظاماً متعدد الأسعار، وفتحت الباب أمام الفساد والامتيازات. وزاد المشكلة رسوخ اعتقاد خاطئ بأن سعر العملة يمكن ضبطه بقرار إداري، مع أن قواعد السوق تقوم على العرض والطلب، والثقة العامة، والموارد الحقيقية المتاحة. ولا يخفى
ارسال الخبر الى: