قراءة في مرايا الضوء الذي دونه كتاب سيرة الحاج أحمد هائل سعيد
اخبار محلية

حقًّا، إنَّه لأمرٌ مدهشٌ أن تقرأ هذا الكتاب، الذي صاغ من السيرة مئذنةً تُصلِّي فيها المعاني بخشوعٍ يمانيٍّ قديمٍ، وقلَّما نجد من يُجيد فعل ذلك، فطوبى لقلمٍ خطَّ سطوره بمهارةِ فائقة ووحيٍ من الله.
في { سيرة الحاج أحمد هائل سعيد}
يخيَّل إليك أن الله حين خلق الخبز والأُدْم، انبثق من رحم البركة رجلٌ تتماهى ملامحه مع العمل، وتفيض سكينته بالدعاء، كأنَّه سيرةٌ تمشي على الأرض بنورٍ من الصبر والكرم.
وُلِدَ أحمد هائل من نَسغٍ جبليٍّ عتيق،
من بيتٍ يتماسك كما تتماسك سورةٌ بين دفتي مصحف..
من عائلةٍ متماسكةٍ كأسوار القلاع، منيرةٍ كقنديلٍ يحرس ليالي القرى الجبلية..
تَفَتَّحَ وعيه بين المعلامة التي تعلَّمُ الحروف بدموعِ الطباشير،
والمثابرة التي تزرع على السبورةِ سنابل من احتمالاتِ النهوض.
هي تلك المداميك ذاتها كانت أول حجارةِ الفجر،
وأول هندسةٍ للروح في معمار رجلٍ قَدَرُهُ البناء دونما تنهيدة.
كبر كأنَّ الريح تسنده…
وفي أصابعه إصرار الماء حين يشق الصخور بصفيرٍ صامت..
كبر هكذا كزهرةٍ تشق الاسمنت بإصرارٍ خرافيٍّ على التنفس.
أيقنَ أن المعرفة وحدها تُورِق، وأن العمل جذرٌ لا ينام في العراء.
ومن تلك القناعة بدأت أساسات الشخصية تقيم جدرانها في صدره .. جدارٌ من حلم، وجدارٌ من حديد، وجدارٌ من صلاةٍ طويلةٍ على محراب العزائم.
ثمّ جاءت الرحلةُ الأولى إلى الغياب،
فكان ذلك الاغتراب الذي صَنَعَ منه مرايا للعودة.
في السفينة كان البحرُ يبتلعُ المسافة،
وكان هو يبتلعُ الخوف.
مهاجرٌ يُوَزِّعُ على الموج وجع الأرض..
وكلما تكسرت رغوة عند قدميه؛
كان يشعر أن الوطن يكتب له وصيةً في الملح.
في مصانع الغربة، حين تعزف الماكينات موسيقى الحديد..
كان يسمع نبض اليمن يتردد بين الجدران..
يعيد قولبة التعب على شكلِ خبرةٍ،
ويصنع من الشقاءِ مقياساً لجودةِ الحلم.
واجه العواصف العاتية بوجه لا يخاف الريح..
إنما يشاغبها بابتسامةٍ خاليةٍ من الرهبة.
كملاكٍ أضاع جناحاً فصنعه من صبر نبيٍّ قديم،
كذلك كان يمشي بين بياض الرغبة والطموح وسواد الواقع...
وفي تلاقي
ارسال الخبر الى: