قراءة في كتاب تربية النحل في حضرموت حين يلتقي إرث الأرض بدقة العلم
بالأمس أهداني أ.د. محمد سعيد خنبش كتابِه “تربية النحل في حضرموت”، ومن خلال تصفحي للكتاب وجدته دليلًا تطبيقيًّا شاملًا لكل نحالٍ؛ لمساعدته على النجاح في مجاله.
بين دفتي الكِتاب ـ المتكون من 167 صفحة باللغة العربية، وتقابلها 130 صفحة باللغة الإنجليزية- صاغ المؤلف عملاً يجسد حوارًا عميقًا بين تراث عريق وشواهد علمية حديثة، ينطلق من فهمه الأكاديمي الثري، وإحساسه الشخصي العميق بأهمية هذه الحرفة في مجتمع حضرموت.
° الكتاب وجوهره:
يدخل القارئ إلى عالم النحالة في حضرموت من بوابته التاريخية الواسعة، إذ يؤسس خنبش لموضوعه مستحضراً المكانة المركزية لهذه الحرفة، التي ارتبطت بالحياة الاجتماعية والاقتصادية للمحافظة منذ قرون طويلة، وامتلكت سمعة جعلت المؤرخين القدامى يذكرونها بين سلع اليمن الرائجة.
شدني استهلال المؤلف باعترافه الصريح باستمرارية الممارسات التقليدية، والتي لا تزال تشكل العمود الفقري للنحالة اليمنية حتى اليوم. هذا الإقرار لا يوثق الماضي فحسب، بل يطرح سؤالاً جوهريًّا على امتداد صفحات الكتاب: كيف يمكن تطوير حرفة متجذرة كهذه دون أن تتجاوز أصالتها؟
من هذا السؤال، ينطلق خنبش في رحلة تحليلية شاملة، يشرح بدقة نظام عمل طائفة النحل المعقد وتقسيماتها البيولوجية، ويقدم مقارنة عملية بين السلالات المحلية والعالمية، مثل الإثيوبية بسلالالتها الثلاث، عُمان، السعودية ، وغيرها من مناطق العالم كشمال إفريقيا الاستوائية، ليضع بين يدي القارئ والنحال أدوات الاختيار المدروس.
إن قلب التحليل العلمي في الكتاب ينبض بقوة حين يتحدث عن خصوصية البيئة الحضرمية؛ كونه يُسلط الضوء على أشجار السدر والسمر كونها ركائز أساسية لجودة العسل الفريدة، مدعماً حديثه بتحليل فيزيائي وكيميائي يؤكد تميز هذا المنتج ومواءمته للمعايير العالمية.
أبرز الكِتاب الإسهامات العملية من خلال المقارنة الميدانية الموثقة التي يقدمها بين أنظمة التربية المختلفة، فبدلاً من الاكتفاء بالتنظير، عرض المؤلف نتائج دراسات من وادي حضرموت تظهر تفوق خلايا “لانجستروث” الحديثة في متوسط إنتاج العسل (12.5 كجم للموسم) مقارنة بالخلايا التقليدية الطينية أو الخشبية (9.6-9.7 كجم).
هذه المقارنة لا ترمي إلى إلغاء التقليد، بل إلى تقديم خيارات تستهدف تعظيم العائد الاقتصادي
ارسال الخبر الى: