قراءة تحليلية لنص أكل التراب لـ أحمد سيف حاشد

يمنات
أكْل التراب..!
أحمد سيف حاشد
كان يشاركني بأكلَ التراب في صِغَري ابن عمّي سالم أحمد محمد هاشم، والذي يكبرُني بعشرة أشهر تقريباً. شهيتنا لأكل التراب تعود إلى بؤس حال، وسوء تّغذية عشناهُ معاً.
التغذية السيئة كانت بعضاً منّا.. رافقت طفولتنا البائسة يوماً بعد يوم، وأدركت بعضاً من مراهقتي وشبابي الأول.. لطالما أعيتني وأثقلت كاهلي، ولازمتني حتى بداية التحاقي بالكلية العسكرية.
مرّت عقود طوال دون أن أعلم حقيقة دافعي لأكل التراب في طفولتي الباكرة تلك، غير طعمه المستساغ واللذيذ، واستمتاعي به حال تعاطيه. ربما أرجعت تلك الحالة أو بعضها إلى صغر السن وانعدام فهم الضرر، أو عدم القدرة على التمييز.. وربما أرجعت بعضها إلى عناد الصبية وردود أفعالهم حيال العقاب، أو بدافع الجهل والفضول الذي حوَّله المنع إلى اجترار واعتياد لا يخلو من لذة ومتعة.
لقد كانت خلوتي مع التراب ممتعة جداً، ولكنها لا تخلو من عقاب أكيد حتى وإن تأخر أحياناً. كانت بقايا التراب المعجون بلعابي في فمي، ومحيطه يفضح فعلتي دون مواربة. وبعد أكثر من خمسين عاماً قرأت أن سبب أكل الطفل للتراب يرجع إلى نقصِ مادةِ الحديد في جسمه.
تأكل التُّراب بسبب سوءِ التّغذية، ونقصِ عُنصرِ الحديد الّذي يحتاج له بدنُك، ثم تُعاقَبُ بالضرب لسببٍ خارجٍ عن إرادتك، ويلحقك مزيد من العذاب، وتسكنك العُقد، وتظل تكبر داخلك وأعماق نفسك في الوعي واللاوعي، وربما تشهد اضطرابات، وانحرافات سلوكية لاحقة كصبينة تلازمك، أو انحراف عناد مكلف دون مبرر يرتقي، لا يضر بك وحدك، بل يضر بغيرك أيضا، وعلى نحو كبير وفادح، والأمثلة هنا لا يتسع لها مقام.
لقد أكلتُ التراب في عمر الطفولة الأولى.. كنتُ ضحيةً لظروفي منذ نعومة أظافري.. ضحية للسلطة، والجهل، والقمع، والتنشئة الخاطئة.. ضحية الفقر والحاجة والعوز.. ضحية الواقع الذي تشاركت كثير من العوامل في إنتاجه وفرضه.
ما يؤسف له اليوم، أن هناك من يريد، بل ويصرُّ أن يُبقيني أسير عوزي وحاجتي، بل ويجعلني غنيمة سلطة، وغنيمة حرب حتى الرحيل أو قطع الأجل. من يريدني أن
ارسال الخبر الى: